أسمر اللون، وأن رأسه كان يميل إلى أحد الجانبين، وأن ساقيه كانتا ضعيفتين. ويخيل إلينا أن أفرديتي لو عرض عليها لأسلمته إلى أثينة، وإن لم يكن هفستس Hephaestus خيراً منه. وإذ لم يكن له ما يشغل باله ويشتت جهوده فإنه سرعان ما جمع من التجارة ثروة طائلة، فلما أن جاء إلى أثينة أول مرة كان لديه، كما يقولون، أكثر من ألف وزنة. ويقول ديجين ليرتيوس إن السفينة تحطمت به عند ساحل أتكا، وإنه فقد ثروته، فوصل إلى أثينة حوالي عام ٣١٤ وهو لا يكاد يملك شيئاً (٤٥). وجلس الرجل إلى جوار دكة كتبي وشرع يقرأ في كاتب ممر بيليا لأكسانوفون وسرعان ما افتتن بأخلاق سقراط، وأخذ يسأل:"أين يوجد أمثال هذا الرجل اليوم؟ ". ومر به في تلك الساعة أقراطيس الفيلسوف الكلبي، فأشار عليه الكتبي أن يتبع ذلك الرجل. انظم زينون وهو وقتئذ في سن الثلاثين إلى مدرسة أقراطيس وسره أن كشف الفلسفة وقال:"لقد قمت برحلة ناجحة موفقة حين تحطمت سفينتي"(٤٦). وكان أقراطيس هذا رجلاً من أهل طيبة نزل عن ثروتهِ البالغ قدرها ثلاثمائة وزنة إلى مواطنيهِ وعاش عيشة الزهد والتقشف التي يعيشها الكلبيون المتسولون. وكان يندد بالدعارة المتفشية في أيامهِ، وينصح الناس بأن يجوعوا ليعالجوا الحب. وشغفت تلميذته هباركيا Hipparchia بحبهِ، لكثرة ما كان لديها من الطعام، وهددت أبويها بأنها سوف تقتل نفسها إذا لم يزوجاها بهِ، فتوسلا إلى أقراطيس أن ينصحها بالرجوع عن عزمها، وحاول هو أن يجيبهما إلى ما طلبا ووضع مخلاة تسوله بين قدميها وقال لها:"هذا كل ما أملك؛ ففكري الآن فيما تفعلين"؛ ولم يثنِ ذلك من عزمها فغادرت منزلها الفخم، وارتدت ثياب المتسولين، وذهبت لتعيش مع أقراطيس عيشة العشق الحر الطليق. ويقال لنا إن زواجها قد تم علناً، ولكن حياتهما كانت مثلاً أعلى في الحب والوفاء (٤٧).
وأثرت في نفس زينون حياة الكلبيين البسيطة الصارمة؛ ذلك أن أتباع