أنستانس قد أصبحوا وقتئذ هم الرهبان الفرنسسكان في الزمن القديم، نذروا أن يعيشوا فقراء زاهدين، ينامون في مأوى طبيعي يعثرون عليه، ويعيشون على صدقات الناس الذين يمنعهم جدهم أن يكونوا قديسين. وأخذ زينون عن الكلبيين المبادئ الأولية لنظامهِ الأخلاقي، ولم يحول قط أن يخفي ما هو مدين بهِ إليهم. وقد تأثر بهم في أول كتاب له وهو كتاب الجمهورية تأثراً جعله يعتنق شيوعيتهم الفوضوية التي ى تكون فيها نقود، ولا ملكية، ولا زواج، ولا دين، ولا شرائع (٤٨). ولما أدرك أن هذه الطوبى، وأن نظام التغذية الكلبي، لا يصلحان لأن يكونا منهاجاً علمياً للحياة، فارق أقراطيس وأخذ يدرس مع زنوقراطيس في المجمع العلمي ومع استبلو المغاري. وما من شك في أنه قرأ كتب هرقليطس قراءة استيعاب لأنه أدخل في أفكارهِ كثيراً من آراء هرقليطس- كالنار المقدسة بوصفها روح الإنسان والكون، وأبدية القانون وتكرار خلق العالم واحتراقه؛ ولكن كان من عادته أن يقول إنه مدين لسقراط بأكثر مما هو مدين به لغيرهِ من الفلاسفة، وإن سقراط هو معين الفلسفة الرواقية ومثله الأعلى.
وبعد أن قضى زينون كثيراً من السنين تحت وصاية غيره من الفلاسفة أنشأ أخيراً مدرسته الفلسفية الخاصة به في عام ٣٠١، وذلك بأن أخذ يتحدث إلى الطلاب وهو رائح غادٍ تحت أعمدة الاستواء بوسيلي Stoa Poecile أو المدخل المحدد. وكان يرحب بالفقراء والأغنياء على السواء، ولكنه لم يكن يشجع انضمام الشبان إلى تلاميذهِ، لأنه كان يشعر بأن الفلسفة لا يفهمها إلا الرجال الناضجوا العقل. وحدث أن أطال أحد الشبان في الكلام فقال له زينون "لقد خُلق لنا أذنان وفم واحد لكي ننصت كثيراً ونتكلم قليلاً"(٤٩). وحضر أنتجونس الثاني وهو في أثينة دروس زينون، وأضحى صديقاً له معجباً بهِ، يستنصحه في مهام الأمور، وأغراه بالترف برهة وجيزة، ودعاه لأن يعيش