وكلوديوس وآتت أكلها كاملة لأول مرة، فلم تكن رومة جابية الضرائب لإيطاليا؛ بل كانت الحاكم المسئول عن دولة يستمتع كل جزء من أجزائها بقسط من عناية الحكومة مكافئ لما تستمتع به سائر الأجزاء، وتحكم فيها الروح اليونانية بلاد الشرق، ويحكم فيها العقل الروماني الواسع الأفق سعة الروح الرومانية الدولة والغرب، لقد رأى هدريان قبله موته الدولة كلها بعينيه وجمع شتاتها ووحدها، وكان قد وعد أنه "سيدبر شئون هذه المجموعة من الأمم تدبير من يدرك أنها ملك الشعب لا ملكه الخاص"(٣٧)؛ وقد أنجز ما وعد.
٣ - البنّاء
ولم يكن باقياً إلا شيء واحد- إذا حصلت عليه رومة كانت أيضاً أجمل مما كانت قبل. لقد كان هدريان الفنان لا ينفك يناقش هدريان الحاكم، فقد أعاد بناء البانثيون في الوقت الذي كان يعيد فيه تنسيق القانون الرماني. ولسنا نعرف رجلاً غيره أكثر منه بناء، ولا حاكماً شاد من المباني مثل ما شاد هو. لقد كان في بعض الأحيان يضع بنفسه تصميم ما يشاد له من المباني، وكان يفحص عنها بنفسه ويقومها بخبرته في أثناء تشييدها، وقد أمر بإصلاح نحو مائة مبنى أو إعادة بنائها، ولم ينقش اسمه على أي واحد منها. وقد جنت رومة الشيء الكثير من حكمته وقدرته مجتمعين وهما قلّما تجتمعان في إنسان. أما هو فقد اجتمعت فيه قوة الشباب وحكمة الشيوخ.
وأشهر ما أعاده كن المباني حرم البانثيون- وهو أحسن بناء احتفظ بشكله من أبنية العالم القديم، ولقد دمرت النار الهيكل الرباعي الذي بناه أجربا، ويلوح أنه لم يبق منه إلا مدخله الكورنثي الأمامي المعمدز والآن أمر هدريان مهندسيه أن يقيموا شمالي هذا الهيكل القديم هيكلاً دائرياً، وألا يخرجوا في بنائه على الأنماط اليونانية الأصيلة وكان ينزع بحكم ذوقه اليوناني إلى تفضيل الأشكال