مما يذكر بالحمد للحكم الروماني أن مُدن آسية الصغرى لم يمضِ عليها إلا قليل من الوقت حتى أفاقت من حمى هذه الحروب المتقطعة. وصارت نيقوميديا عاصمة ولاية بيثينيا- بنتس، ثم أضحت عاصمة الإمبراطوريّة في عهد دقلديانوس؛ وخلّد اسم نيقية فيما بعد أن انعقد فيها أخطر مجلس في تاريخ الكنيسة المسيحية، وأخذت المدينتان تتنافسان في تشييد المباني منافسة اضطر معها تراجان أن يرسل بلني الأصغر ليحول بينهما وبين الإفلاس. وأهدت نيقوميديا إلى الأدب ابنها فلافيوس أريانس الذي سجّل أحاديث ابكتتس، كما سبق القول. وكان أريان هذا حاكماً على كبدوكيا ست سنين، وأركونا لأثينة سنة واحدة، ولكنه رغم هذه المشاغل وجد متّسعاً من الوقت لكتابة عدة كتب في التاريخ لم يبقَ منها إلا زحف الاسكندر المذيل بالانديكا Indica. وقد كتبه بلغة يونانية واضحة سهلة بأنه اتخذ أكسنوفون مثلا له في أسلوبه، كما اتخذه مثلاً له في حياته، ويقول هو عن كتابه مفتخراً به كما يفخر الأقدمون:
"لقد كنت منذ صباي أنزل هذا الكتاب منزلة الوطن والأسرة والمنصب العام ولهذا فإني لا أرى نفسي غير خليق بأن أعدّ بين أعظم المؤلفين في اللغة اليونانية"(٧٢).
وكانت هناك مُدن أخرى على شاطئ البحر الأسود ذات مياه عظيمة وعلماء ذائعي الصيت. كان منها ميرليا Myrlea التي بلغ عدد سكانها ٢. ٣٢٠. ٠٠٠ (٧٣) وأمسارتس Amsartis (أمسرا Amsara) التي وصفها بلني بأنها "مدينة أنيقة جميلة"، والتي اشتهرت بما كان فيها من أشجار البقس الجميلة، وسينوب