لقد وصلنا الآن إلى أكمل نتاج الحضارة اليونانية، ولكننا مع الأسف الشديد لا نجد من بقايا هذا النتاج العظيم إلا النزر اليسير. ذلك أن التدمير الذي عاناه الأدب اليوناني من جراء عدوان الزمان وتحكم ذوي العقول الضيقة الجاهلة، وتغير الأنماط والأهواء العقلية، لا يعد شيئاً مذكوراً إذا قيس إلى ما وقع على الفن اليوناني من تدمير. ولقد بقي لدينا من عصر الفنون الزاهر قطعة برونزية واحدة هي راكب العربة في دلفي، وتمثال واحد من الرخام هو تمثال هرمس من صنع المثال بركستيليز، أما الهياكل فلم يصل إلينا منها هيكل واحد - ولا هيكل الثسيوم نفسه - بالشكل أو باللون الذي كان عليه في بلاد اليونان القديمة. كذلك لم يكد يبقى لدينا شيء من النقوش اليونانية على المنسوجات، أو الخشب، أو العاج، أو الفضة، أو الذهب، ذلك أن هذه المواد كانت أضعف أو أثمن من أن تنجو من أيدي الناهبين أو عبث الأيام. لذلك كان علينا أن نعيد تصوير هذه الفنون مستعينين على ذلك بما بقي لدينا من آثارها المحطمة القليلة.
وكانت الأسباب التي أدت إلى نشأة الفن اليوناني هي الرغبة في تصوير الأجسام وتزيينها، والنزعة البشرية في الديانة اليونانية، والروح الرياضية، والمثل العليا للرياضيين. ولما ارتقى اليوناني البدائي عن المرحلة التي اعتاد أن يضحي بها بالآدميين لكي يصبحوا الموتى ويقوموا على خدمتهم، استبدل بهم التماثيل المنحوتة أو الصور كما فعل غيره من البدائيين. ووضع بعد ذلك صوراً لآبائه في بيته، أو وضع في المعابد صوراً وتماثيل شبيهة به أو بمن يجب، اعتقاداً منه أن هذه الصور والتماثيل ستتمكن بقوة سحرية من بسط حماية الإله ورعايته على