وأشد ما يلاحظ من تناقض في حكم هذا الملك الذي يجري على سنن العقل هو اضطهاده الإلحاد والملحدين. ذلك أن فردريك لم يكن يسمح في بلاده بحرية التفكير أو القول لإنسان ما حتى أساتذة جامعته، بل اختص نفسه ورفاقه دون غيرهم بهذه الميزة، فقد كان كمعظم الحكام يرى أن الدين ضروري لا غنى عنه للنظام الاجتماعي، ولم يكن يقبل أن يقوض علماؤه دعائمه؛ يضاف إلى هذا أن القضاء على الإلحاد ييسر قيام السلام المتقطع مع البابوات؛ وجرياً على هذه السياسة أيد فردريك محكمة التفتيش كل التأييد على حين أن بعض الملوك في القرن الثالث عشر ترددوا في معاونتها، وبذلك اتفق البابوات هم وعدوهم الألد في هذه المسألة وحدها.
[٣ - النزاع بين الإمبراطورية والبابوية]
وأخذت أهداف فردريك البعدية الواسعة المدى تزداد وضوحاً كلما تقادم حكمه في فوجيا: كان يبغي أن يبسط سلطانه على إيطاليا بأجمعها؛ وأن يوحد إيطاليا وألمانيا تحت سلطان الإمبراطورية الرومانية بعد أن يعيدها إلى الوجود، ولعله كان يبغي أيضاً أن يجعل روما كما كانت قبل عاصمة العالم الغربي السياسية والدينية معاً. ولما أن دعا الأعيان الإيطاليين والمدن الإيطالية إلى مجمع في كرمونا Cremona عام ١٢٢٦ كشف عن أغراضه بأن أرسل الدعوة أيضاً إلى دوقية اسبليتو، وكانت وقتئذ ولاية بابوية، وبأن سير جنوده في أراضي البابوات. وأمر البابا أعيان اسبليتو ألا يحضروا الاجتماع. وارتابت مدن لمباردية في الدعوة فرأت فيها وسيلة يبغي بها فردريك أن يخضعها للإمبراطور خضوعاً حقيقياً لا خضوعاً اسمياً فحسب، فأبت أن ترسل مندوبين عنها إلى الاجتماع؛ ولم تكتف بهذا بل ردت على هذه الدعوة بأن ألفت العصبة اللمباردية الثانية التي تعهدت فيها مدائن ميلان، وتورين، وبرجامو، وبرشيا، ومانتوا، ويولونيا، وفيسنزا،