ولم يلبث النزاع بين الرومانيين والإيطاليين أن قام من جديد بعد بضع سنين قلائل ساد فيها السلام، وكل ما في الأمر أن تبدل اسم هذا النزاع من نزاع "اجتماعي" إلى نزاع "أهلي" وأن تبدل ميدانه من المدن الإيطالية إلى رومه نفسها. وتفصيل ذلك أن لوسيوس كرنليوس صلا اختير ليتولى في عام ٨٨ ق. م منصب القنصلية. وتولى قيادة الجيش الذي كان يعبأ لقتال مثرداتس Mithridates حاكم بنتس Pontus؛ ولكن التربيون سلبيسيوس روفس Sulplicus Rufus لم يكن يرضى أن يتولى رجل محافظ مثل صلا قيادة هذه القوة العظيمة، وأقنع الجمعية بأن يتولى القيادة ماريوس، وكان وقتئذ رجلاً بديناً في التاسعة والستين من عمره، ولكنه مع ذلك لم تفارقه مطامعه العسكرية. وأبى ماريوس أن تفلت من يده فرصة القيادة التي طال انتظارها، وأن تفلت منه لما لاح له أنه نزوة من نزوات جمعية خاضعة لتأثير زعيم شعبي مهرج، وللرشا التي لم يكن يشك في أنها قد تلقتها من التجار الذين يحبون ماريوس. فلم يكن منه إلا أن فر إلى نولا Nola وكسب ولاء الجيش وزحف به على رومه.
وكان صلا رجلاً فذاً في منشئه، وأخلاقه، ومصيره. فقد ولد فقيراً ولكنه أصبح المدافع عن الأشراف، كما أصبح ابنا جراكس ودروسس Drusus وقيصر وهم من الأشراف زعماء الطبقات الفقيرة. وثأر لنفسه من الحياة إذ جعلته شريفاً ومعدماً؛ وذلك بأنه حين أصبح رب المال استخدمه في قضاء شهواته، فأطلق لها العنان، ولم يتقيد فيها بعرف، ولم يؤنبه على إسرافه فيها ضمير. وكان دميم الخلق- له عينان زرقاوان براقتان في وجه أبيض