فردده كالصدى. وكان فولتير يعيش كما يعيش أصحاب الملايين، أما روسو فكان ينسخ الموسيقى ليكسب قوته. وكان فولتير خلاصة كل لطائف المجتمع، أما روسو فكان يشعر بالقلق في المجتمعات، وكان أقل صبراً وأضيق صدراً من أن تحتفظ بصداقة صديق. وكان فولتير أبن باريس، وربيب مرحها وترفها، أما روسو فكان طفل جنيف، برجوازياً مكتئباً، وبيورتانياً يكره تميز الطبقات الذي يجرحه، وألوان البذخ التي لا قدرة له على الاستمتاع بها، ودافع فولتير عن الترف لأنه يداول مال الأغنياء بتشغيل الفقراء، أما روسو فأدانه لأنه "يطعم مائة فقير في مدننا ويسبب هلاك مائة ألف في قرانا (٦٦) " وذهب فولتير إلى أن آثام الحاضرة ترجحها فنونها وما توفره من أسباب الراحة، أما روسو فكان لا يشعر بالراحة في أي مكان، ويندد بكل شيء تقريباً. وأصغى المصلحون إلى فولتير، وأستمع الثوار إلى روسو.
إن هوراس وليلول حين قال إن "هذه الدنيا ملهاة لمن يفكروا، ومأساة لمن يشعرون (٦٧) ". أجمل في سطر واحد؛ على غير قصد منه؛ حياة أعظم عقلين من عقول القرن الثامن عشر تأثيراً في الناس.
[٥ - بوزويل يلتقي بروسو]
في رواية بوزويل لزيارات خمس قام به لجان-جاك في ديسمبر ١٧٦٤ تصوير غاية في اللطف لروسو. فلقد أقسم ذلك المعجب الذي لا مهرب منه يميناً مغلظة (٢١ أكتوبر) أنه "لن يكلم ملحداً؛ ولن يتمتع بامرأة؛ قبل أن يلقى روسو (٦٨) " وفي ٣ ديسمبر شد رحاله من نوشاتل إلى موتييه-ترافير. وحين بلغ برو في منتصف الطريق وقف بنزل وسأل ابنة صاحبه ماذا تعرف عن فريسته. وكان جوابها مقلقاً:
"إن المسيو ورسو يحضر هنا كثيراً ويمكث أياماً مع مدبرة بيته؛ الآنسة ليفاسير. وهو رجل لطيف جداً؛ له وجه جميل؛ ولكنه لا يحب أن يأتي الناس ويحملقوا فيه كأنه رجل له رأسان. يا للسماء! أن فضول