للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الثاني

[كشف كريت الثاني]

"في وسط البحر القاتم كلون النبيذ أرض تسمى كريت، وهي أرض جميلة غنية يحيط بها الماء، وفيها خلق كثيرون يخطئهم العد، كما أن بها تسعين مدينة". لما أنشد هومر هذه الأبيات، ولعل ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد (١)، كانت بلاد اليونان قد نسيت أو كادت تنسى، وإن لم ينسى الشاعر، أن الجزيرة التي بدت له عظيمة حتى في ذلك الوقت، كانت في وقت من الأوقات أعظم مما هي وقتئذ ثروة، وأنها كانت تسيطر بأسطولها القوى على معظم نواحي بحر إيجة وعلى جزء من أرض اليونان الأصيلة، وأنها قد أنشأت قبل حصار طروادة بألف عام حضارة من أعظم الحضارات الفنية في تاريخ العالم. ولعل هذه الحضارة الإيجية التي كانت قديمة بالنسبة له بقدر ما هو نفسه قديم بالنسبة لنا، هي التي عادت إلى ذاكرة هومر وهو يتحدث عن عصر ذهبي كان الناس فيه أكثر حضارة وأرق حاشية منهم في أيامه المضطربة.

ولقد كان كشف هذه الحضارة المفقودة مرة ثانية عملاً من أجل الأعمال في تاريخ علم الآثار الحديث. فها هي ذي جزيرة تبلغ مساحتها قدر مساحة أكبر جزائر السكلديز عشرين مرة، جوها جميل، تنتج حقولها غلات مختلفة، وتلالها كانت في وقت من الأوقات كثيرة الأشجار، وموقعها من اصلح المواقع للتجارة والحرب، فهي في منتصف الطريق بين فينيقية وإيطاليا، وبين مصر وبلاد اليونان. ولقد أشار أرسطاطاليس إلى هذا


(١) كل التواريخ الواردة في هذا المجلد قبل الميلاد إلا إذا نص على غير ذلك أو كانت واضحة الدلالة على أنها بعد الميلاد.