كانت فرنسا بلا ريب الزعيمة العقلية لأوربا في العصور الوسطى خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فقد أصبحت لمدارس كتدرائياتها منذ بداية القرن الحادي عشر شهرة دولية عظيمة؛ وإذا كانت هذه المدارس قد نمت وازدهرت حتى أضحت جامعة عظيمة في باريس لا في شارتر، أولاؤن، أوريمس، فأكبر الظن إن سبب هذا هو إن تجارة السين الرابحة والأعمال المالية التي توجد عادةً في العاصمة قد جاءت إلى تلك المدينة بالثراء الذي يغري العقول وإنها كانت تقدم المال الذي يحتاجه العلم والفلسفة والفن.
وأول من عرف من المعلمين في مدرسة كتدرائية نتردام هو وليم الشامبووي William of Champeaux (١٠٧٠ - ١١٢١) ، وكانت محاضراته التي تقلى في أبهاء نتردام مثار الحركة العقلية التي نشأت منها جامعة باريس، ولما خرج أبلاد من بريطانيا (حوالي عام ١١٠٣) ووجه إلى وليم قياساً منطقياً أفعمه وقضى على سمعته، وبدأ اشهر المحاضرات في التاريخ الفرنسي، هرع الطلاب من كل صوب ليستمعوا إليه؛ فازداد عدد طلاب باريس وتضاعف عدد المدرسين. وكان الأستاذ (magister) في عالم التربية بباريس في القرن الثاني عشر رجلاً أجاز له رئيس كتدرائية نتردام أن يدرس. وكانت جامعة باريس في ذلك الوقت قد خطت خطوات سريعة لا نستطيع تتبعها، فارتقت من مدرسة كنيسة المدينة ونالت وحدتها الأولى من هذا المصدر الوحيد مصدر الإجازة التعليمية. وكانت هذه الإجازة تعطى عادةً بالمجان لكل من قضى وقتاً كافياً تلميذاً لأستاذ مرخص بشرط أن يوافق هذا