من المذهبية ومحاكم التفتيش والطغيان، بل كان تثبيتاً لها، ولم يكن انتشاراً للاستنارة، بل كان سلباً للجامعات وإغلاق مئات المدارس، ولم يكن توسعاً في الرقة، بل كان تقريباً قضاء على البر، ورقعة بيضاء للجشع، ولم يكن تخفيفاً للفقر، بل كان سحقاً للفقراء بلا رحمة لم تعرفه إنجلترا منذ قرون - ولعلها لم تعرفه قط (٢١). وكان كل تغيير يكاد يلقى ترحيباً ما دام يؤدي إلى تخليصهم من نورثمبرلاند وطغمته.
ثم إن الأميرة ماري المسكينة، التي ظفرت بحب إنجلترا في الخفاء بفضل صبرها على الإذلال طوال اثنين وعشرين عاماً - هذه المرأة المهذبة سوف تكون ولا شك ملكة رقيقة.
[٣ - الملكة الرقيقة]
(١٥٥٣ - ٥٤)
لابد لكي نفهمها من أن نكون قد عشنا معها شبابها المأساوي الذي لم تذق خلاله قط طعماً للسعادة. ولم تكن تتجاوز الثانية من عمرها (١٥١٨)، عندما شغل أبوها بالحظايا، وأهمل أمها المحزونة. وكانت في الثامنة عندما طلب إعلان بطلان زواجه، وفي الخامسة عشرة عندما افترق والداها، وذهب كل من الأم والبنت إلى منفى منفصل. ومنعت الابنة من الذهاب إلى أمها حتى وهي تحتضر (٢٢). وأعلن أن ماري ابنه سفاح بعد مولد اليزابث (١٥٣٣) وجردت من لقبها كأميرة. وخشي سفير الإمبراطور أن تسعى آن بولين إلى قتل ابنة غريمتها المنافسة لها على العرش. وعندما انتقلت إليزابث إلى هاتفيلد أجبرت ماري على أن تذهب إلى هناك لخدمتها وأكرهت على أن تعيش في "أسوأ غرفة في البيت (٢٣") وأخذ منها خدمها، واستبدل بهم آخرون، يخضعون لمس شلتون أف هاتفيد التي قالت لها تذكرها بأنها ابنة سفاح:"لو كنت في موضع الملك لطردتكِ من بيت الملك لعدم طاعتكِ". وأخبرتها أن هنري قد عبر عن عزمه على قطع رأسها (٣٤).