للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بيده في وقت ما رأس مدوزا Medusa وشعره المكون من الأفاعي. وكان في بعض الأحيان يصوره شاباً أو فتاة منهمكة في عمل بسيط تقوم به من تلقاء نفسها، كتمثال الغلام الذي يخرج شوكة من قدمه (١)، غير أن أساطير بلاده كانت أهم ما يوحي إليه بموضوعات فنه. ولم يكن ذلك النزاع الرهيب الذي قام بين الفلسفة والدين، والذي يبدو في تفكير القرن الخامس كله، نقول لم يكن ذلك النزاع قد بدا على الآثار بعد، فهنا كانت الآلهة لا تزال صاحبة السيادة العليا، وحتى لو كانت قد أخذت في الاضمحلال فقد كانت تنتقل أنبل انتقال وأعظمه إلى شعر الفن. ترى هل كان المَثال الذي يشكل في البرونز زيوس أرتمزيوم القوي يعتقد بحق أنه يصور شريعة العالم (٢)؟ وهل كان الفنان الذي ينحت تمثال ديونيسس الظريف الحزين المحفوظ في متحف دلفي، هل كان هذا الفنان يعرف في أعماق إدراكه الذي لا تعبر عنه الألفاظ أن ديونيسس قد طعنته سهام الفلسفة طعنةً نجلاء، وأن الملامح المتواترة للمسيح خليفة ديونيسس قد وجدت في هذا الرأس من قبل أن يولد المسيح.

[٢ - المدارس]

إذا كان فن النحت اليوناني قد أخرج هذا القدر كله في القرن الخامس، فقد كان من أسباب ذلك أن كل مَثال كان ينتمي إلى مدرسة بعينها، وأن له مكاناً في ثبت طويل من الأساتذة والطلاب، يتوارثون حذق فنهم هذا، ويقاومون تطرف الفردية المستقلة، ويشجعون مواهبهم الخاصة، ويسيطرون عليها ويهذبونها بالتضلع في فنون الماضي وما أخرجته من بدائع،


(١) في متحف الكبتولين برومة، وأكبر الظن أنه صورة من تمثال يوناني أصلي نحت في القرن الخامس.
(٢) في متحف أثينة، وهناك صورة منه في المتحف الفني بنيويورك.