أن يذوب. ثم يبرد الشكل كله ويزيل عنه القالب الخارجي، ويبرده ويصقله، ثم يطلى البرونز بالك أو يلونه أو يذهبه حتى يتخذ صورته النهائية. فإذ فضل الرخام بدأ بالكتلة غير المشكلة، غير مستعين بأي نظام من نظم التوجيه (١)، ويعمل من غير قواعد موضوعة، مسترشداً في أكثر الأحيان بعينه لا بالآلات (٢٥)، ويزيل من الحجر بضرباته المتتالية ما لا حاجة له به، ويوالي هذه الضربات حتى تتشكل من الحجر الفكرة الكاملة التي صورها لنفسه في ذهنه، وحتى تصبح المادة غير المنتظمة صورة وشكلاً على حد قول أرسطاطاليس.
أما موضوعاته فتختلف من الآلهة إلى الحيوانات، ولكن أياً كان الموضوع، فإنه يجب أن يكون من حيث الجسم خليقاً بالإعجاب، ولم يكن الضعفاء أو العقليون، أو الأصناف الشاذة غير السوية، أو العجائز أو الشيوخ، لم يكن هؤلاء يجدون لهم مكاناً عنده، وكان يجيد نحت تماثيل الخيل، ولكنه لم يكن شديد العناية بغيرها من الحيوان، وكان أكثر إجادةً في نحت تماثيل النساء، ومن آياته الفنية التي لا تمثل نساء بعينهن كتمثال الفتاة المستغرقة في أفكارها والممسكة بثوبها فوق ثديها المحفوظ بمتحف أثينة، ما يبلغ درجة من الجمال الهادئ تعجز اللغة عن وصفه. وخير ما يجيده على الإطلاق تماثيل اللاعبين الرياضيين، لأنه يعجب بهؤلاء إعجاباً لا حد له، ولأنه لم يكن يحول بينه وبين مراقبتهم حائل. وكنت تراه من حين إلى حين يبالغ في إظهار قوتهم، ويصور على بطونهم عضلات لا وجود لها عليها، ولكنه كان يسعه رغم هذا الخطأ أن يصب تماثيل من البرونز كالتمثال الذي وجد في البحر قرب أنتيسثرا Anticythera والذي يقال أنه تمثال إفبوس Ephebos تارة وتارة يقال أنه تمثال برسيوس Perseus الذي أمسك
(١) المراد بالتوجيه هنا بيان العمق الذي يجب أن يصل إليه النحات في قطع الكتلة الحجرية التي يريد صناعتها قبل أن يبدأ الفنان عمله فيها. وكان بدء استخدام هذه الطريقة في البلاد التي اصطبغت بالصبغة اليونانية.