للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تمثيل - وإن كان يجعل الملابس شفافة إلى أبعد حد تمكنه منه جرأته. وكأن هذا الفنان قد مل رؤية أنصاف الثياب السفلى الجامدة التي يشاهدها على تماثيل مصر واليونان في عهدهم الأقدم، فتاقت نفسه إلى إظهار ملابس النساء يلعب بها النسيم لأنه في هذا الوضع أيضاً قد أدرك خصائص الحركة والحياة.

وهو لا يكاد يترك أية مادة تقع في يده ويستطيع استخدامها في فنه إلا استخدامها - من خشب، وعاج، وطين محروق، وحجر جيري، ورخام، وفضة، وذهب. وهو يستخدم أحياناً الذهب لصنع الثياب، والعاج لصنع الجسم، كما فعل فدياس في تماثيله الذهبية العاجية. وكان البرونز هو المادة المحببة لمَثال البلوبونيز، لأنه يعجب بألوانها القاتمة التي تصلح كل الصلاحية لتمثيل أجسام الرجال الذين لوحتهم الشمس وهم عراة، وكان لجهله بجشع الإنسان يظن أنه أبقى على الدهر من الحجارة. أما في أيونيا وأتكا فكان يفضل الرخام، لأن ما يلقاه فيه من صعوبة يستثير همته، ولأن ما فيه من صلابة يمكنه من أن ينحته بإزميله وهو آمن، وكأن نعومته ونصف شفافيته قد خلقا لتمثيل لون النساء الوردي ورقة أجسامهن. وقد كشف المَثال بقرب أثينة رخام جبل بنتلكس Pentelicus، ولاحظ أن ما فيه من حديد ينضجه طول الزمان والعوامل الجوية فيبدو للرائي وكأنه عرق من الذهب يتلألأ في وسط الحجر، وأفلح بفضل ما وهب من الصبر، وهو نصف العبقرية، في أن ينحت على مهل من المحاجر تماثيل حية. ومَثال القرن الخامس حين يعمل في البرونز يستخدم طريقة الصب الأجوف بالعملية المعروفة بعملية الشمع المفقود Cire Perdu، وذلك بصنع نماذج من الجبس أو الصلصال للتمثال الذي يريد صبه، ثم يغطيه بطبقة رقيقة من الشمع، ويغطى هذا كله بعدئذ بقالب من الجبس أو الصلصال مسنن في عدة مواضع، ويضعه في تنور تذيب حرارته الشمع فيخرج من الثقوب، ثم يصب ذوب البرونز في القالب من أعلاه حتى يملأ المعدن جميع المسافة التي كان يشغلها الشمع قبل