كتب سرفانتس عام ١٥٨٤ يقول «ما أكثر العباقرة الملهمين الذين يعيشون اليوم في وطننا اسبانيا (١) وأغلب الظن أنه هو، دون سواه الذي عرف أنه أعظمهم، ولم يكن بعد قد ألف «دون كخوته»(١٦٠٤) فحين وافى هذا التاريخ فيما بعد كان «القرن الذهبي»(١٥٦٠ - ١٦٦٠) قد بلغ شأوه وتألق بكل سنائه ومجده.
ترى ما الذي أطلق هذا التفجر الثقافي، هذا الحشد الرائع من نجوم الأدب والفن؟ لعله انتصارات أسبانيا في ميادين السياسة والاقتصاد والدين-فتح الأمريكتين واستغلالهما، وقوة أسبانيا ومكاسبها في إيطاليا، والأراضي المنخفضة، والبرتغال، والهند، والنصر على المسلمين في أسبانيا والترك في ليبانتو. ونحن لا نستطيع اليوم، لما بيننا وبين أزمات الروح الأسبانية من بعد الشقة، أن نفهم كيف أججت مخاطر هذه السنوات المثيرة وانتصاراتها حماسة الإيمان الكاثوليكي وجعلت أكثر الأسبان يفخرون بدينهم فخرهم. بأنسابهم؛ أما رقابة المطبوعات ومحكمة التفتيش اللتان قد نحسبهما خائفتين للحريات، فقد تقبلتهما الأمة على أنهما من الاجراءات الحربية الضرورية للوحدة القومية في الحرب الصليبية ضد الإسلام. وهكذا راح العقل الأسباني، الذي حظر عليه أن يشت بعيداً عن العقيدة المقدسة، يحلق داخل حدوده المقيدة، وسط عالم رفيع من القصص والشعر والدراما والعمارة والنحت والتصوير.