ولكنه كان إلى ذلك العصر العلماء الأمناء والمؤرخين الأجرياء، عصر المؤلفات البارزة في اللاهوت والحكم والقانون والاقتصاد والجغرافيا والدراسات الكلاسيكية والشرقية. وفي رأي العلامة الام أن «العلم كان في عهد فليب الثاني أكثر تقدما منه في عصر اليزابيث (٢)». ولا ريب في أن التعليم كان أوفر وأعم. فقد وجد الفقراء والأغنياء على السواء طريقهم إلى الجامعات الكثيرة، وأضيف إلى هذه الفترة عشرون جامعة جديدة إلى الجامعات المشهورة، وكانت جامعة سالامانكا وحدها تضم ٥٨٥٦ طالبا عام ١٥٥١ (٣). «لا يستطيع انسان أن يزعم «أنه كابالليرو (جنتلمان) ما لم يكن كذلك أديباً». (٤) وفتح الملوك والوزراء والنبلاء والأحبار خزائنهم للعلماء والشعراء والفنانين والموسيقيين. على أنه كان هناك بعض النشاز في هذا التصعيد؛ ذلك أن الكنيسة شهرت سوطاً فوق رءوس المعلمين، وحرم فليب الثاني على الشباب، حرصاً منه على الاحتفاظ للجامعات الأسبانية بملئها من الطلاب وجعل العقول الأسبانية نقية من الناحية اللاهوتية، حرم عليهم أن يدرسوا في أي جامعات أجنبية الا كواميرا وبولونيا وروما. ولعل هذا التزاوج الفكري المحصور لعب دورا في عقم أسبانيا الثقافي بعد العصر الذهبي.
وهناك رجلان بارزان من اليسوعيين يدخلان الصورة هنا. أما أولهما، بالتزار جراثيان، مدير كلية اليسوعيين في تاراجونا، فقد وجد الوقت ليكتب (١٦٥٠ - ٥٣) رواية من ثلاثة مجلدات تدعى «الكريتيكون» وصف فيها تحطيم سفينة لسيد أسباني على جزيرة القديسة هيلانة، وتعليمه للرجل المتوحش الوحيد الذي وجده هناك (أهذا مصدر لروبنسن كروزو؟)، ثم أسفارهما معا في أرجاء العالم، ونقدهما النفاذ للحضارة الأوربية. وقد أطرب تشاؤمهما وكرههما للنساء شوبنهاور، فوصف الكتاب بأنه «من خيرة الكتب في العالم (٥)» ونفح أحد الأصدقاء