هابطين على هذه الحقول الخصبة من منغوليا والتبت، فوقعوا تحت تأثير الهنود، وأخذوا منذ القرن الخامس ينتجون الفنون في كثرة غزيرة على الطرز البوذية والفشناوية والشيفاوية، فينحتون التماثيل على غرار هذه الأنماط، ويقيمون "أكمات المدافن" التي بلغوا بها ذروتهم في معبد "أناندا" العظيم - وهو أحد المعابد في عاصمتهم القديمة "باجان" التي بلغ عدد معابدها خمسة آلاف؛ لكن "باجان" هذه وقعت فريسة لقبلاي خان فسلبها سلباً، ولبثت الحكومة البورمية مدى خمسمائة عام تنتقل من عاصمة إلى عاصمة؛ فكانت "مندلاي" حيناً من الدهر هي المركز الزاهر للحياة في بورما، ومستقر رجال الفن الذين أنتجوا الآيات الروائع في نواح كثيرة؛ من الوشي وصياغة الحلي إلى بناء القصر الملكي الذي نهض دليلاً على مدى استطاعتهم الفنية في المادة الهزيلة التي كانت تحت أيديهم، وهي الخشب (١١٩)؛ وجاء الإنجليز إذ ساءهم ما عومل به مبشّروهم وتجارهم، فضموا بورما إلى أملاكهم سنة ١٨٨٦، ونقلوا العاصمة إلى "رانجون"، وهي مدينة تقع في متناول البحرية الإمبراطورية، لتؤدبها إذا وقع فيها شيء من العصيان؛ فشيد البورميون في "رانجون" ضريحاً يعدّ من أبدع ما لديهم من أضرحة، وهو "شوي داجون" المشهور، ذلك المعبد الذهبي الذي يحج إلى قمته الملايين في إثر الملايين من بوذيي بورما كل عام، ولم لا؟ أليس يشتمل هذا المعبد على الشعرات نفسها التي كانت تغطي "شاكيا موني"؟
شهد الحكم المغولي آخر مراحل النصر التي بلغتها العمارة الهندية؛ إذ برهن أتباع محمد على أنهم أساتذة في فن البناء حيثما حلوا بقوة سلاحهم - غرناطة، والقاهرة، وأورشليم، وبغداد؛ فقد كان المنتظر من هؤلاء الرجال