أفلحت الحملة الصليبية الثالثة في أخذ عكا ولكنها لم تفلح في الاستيلاء على بيت المقدس، وكانت هذه نتيجة ضئيلة ميئسة لحملة اشترك فيها اعظم ملوك أوربا. وكان غرق بربروسه، وفرار فيليب أغسطس، وإخفاق رتشرد، ودسائس الفرسان المسيحيين في الأرض المقدسة التي لم يرعوا فيها واجباً أو ضميراً، أو النزاع الذي قام بين فرسان المستشفى وفرسان المعبد، وتجدد الحرب بين إنجلترا وفرنسا، كل هذا قد حطم كبرياء أوربا، وأذلها، وأضعف ثقة العالم المسيحي بها. ولكن موت صلاح الدين المبكر، وانقسام دولته بعد وفاته، بعث في قلوب العالم المسيحي آمالاً جديدة، فلم يكد إنوسنت الثالث Innocent III يجلس على عرش البابوية (١١٩٨ - ١٢١٦)، حتى أخذ يطالب العالم المسيحي ببذل مجهود جديد، وقام فلك ده نويي Fnlk de Neuilly، وهو قس ساذج، يدعو الملوك والسوقة إلى حرب صليبية رابعة. وكانت نتيجة الدعوة ميئسة؛ فقد كان الإمبراطور فردريك الثاني طفلاً في سن الرابعة؛ وكان فليب أغسطس يرى أن حملة صليبية واحدة تكفيه طوال حياته، ونسى رتشرد كلماته الأخيرة لصلاح الدين فأخذ يسخر من دعوة فلك، ويقول له: "إنك تدعوني إلى التخلي عن بناتي الثلاث- الكبرياء، والبخل، والانغماس في الملاذ، فدونك هي لأجدر الناس بها: كبريائي لفرسان المعبد، وبخلي لرهبان سيتو Citeaux، وانغماسي في الملاذ إلى المطارنة" (٤٢). ولكن إنوسنت واصل دعوته، وقال إن حملة توجه إلى مصر مقدر لها الفوز بفضل سيطرة الإيطاليين على البحر المتوسط، ثم تتخذ الغنية الخصبة قاعدة للزحف