الدين والفلسفة - أيوب البابليين - كحيلث البابليين - رجل يقاوم الكهنة
إن الأمم تولد رواقية وتموت أبيقورية، يقوم الدين إلى جانب مهدها (كما يقول المثل القديم)، وتصحبها الفلسفة إلى قبرها. ففي بداية الثقافات كلها ترى عقيدة دينية قوية تخفي عن أعين القوم كنه الأشياء وترقق من طبائعها، وتبث في قلوبهم من الشجاعة ما يستطيعون به أن يتحملوا الآلام ويقاسوا الصعاب وهم صابرون، تقف الآلهة إلى جانبهم في كل خطوة يخطونها، ولا تتركهم يهلكون إلا حين يهلكون؛ وحتى في هذه الحال يحملهم إيمانهم القوى على الاعتقاد بأن خطاياهم هي التي أغضبت الآلهة فانتقموا منهم. ذلك أن ما يصيب الناس من شر لا يفقدهم إيمانهم، بل يقويه في قلوبهم؛ فإذا جاء النصر، وإذا نسوا الحرب لطول ما ألفوه من الأمن والسلام، ازدادت ثروتهم؛ واستبدلت الطبقات المسيطرة بحياة الجسم حياة الحواس والعقل، وحلّت اللذة والراحة محل الكدح والمتاعب؛ وأضعف العلم الدين بينما يضعف التفكير والدعة ما في الناس من رجولة وصبر على المكاره. وأخيراً يبدأ الناس يرتابون في آلهتهم، ويندبون مأساة المعرفة، ويلجئون إلى كل لذة عاجلة زائلة يعتصمون بها من سوء مصيرهم. فهم في البداية كأخيل، وفي النهاية كأبيقور؛ وبعد داود يأتي أيوب، وبعد أيوب يأتي سفر الجامعة.
وإذ كنا لا نستدل على تفكير البابليين إلا من أيام ملوكهم المتأخرين، فإن من الطبيعي أن نجد هذا التفكير تسري فيه حكمة الكلالة الصادرة من أفواه الفلاسفة المتعبين الذين يستمتعون بالملاذ كما يستمتع بها الإنجليز. فترى على أحد