لقد دُمر الكثير من أعمال النحت لأن البرابرة نهبوه على أثر انتصارهم في غزواتهم، ولأن المسيحية الناشئة حسبته من قبيل عبادة الأوثان الدنيئة. ولكن قليلاً منه نجا من هذا الدمار وبخاصة في فرنسا، فأثار خيال البربرية بعد أن روضت، والثقافة المسيحية بعد أن نضجت. واحتفظت الدولة الرومانية الشرقية في هذا الفن، كما احتفظت في غيره من الفنون، بالنماذج والمهارات القديمة، وأضافت إليها أساليب العرف والتصوف الأسيوية، وعادت فوزعت على الغرب البذور التي جاءت إليها قبل من روما وانتقل النحاتون اليونان إلى ألمانيا بعد أن تزوجت ثيودورا من أتو الثاني (٩٧٢)، وانتقلوا كذلك إلى البندقية، ورافنا، وروما، ونابلي، وصقلية، ولعلهم انتقلوا أيضاً إلى برشلونة ومرسيليا، وليس ببعيد أن يكون المثالون الذين كانوا يعملون عند فردريك الثاني قد أخذوا فنهم. من هؤلاء الرجال وعن الفنانين المسلمين الخاضعين لسلطانه، ولما أثرت البربرية كان في وسعها أن تجمع بين الهمجية والجمال، ولما أثرت المسيحية، سخرت النحت كما سخرت غيره من الفنون لخدمة عقائدها وشعائرها الدينية، وكانت هذه في آخر الأمر هي الطريقة التي نمت بها الفنون الكبرى في مصر وآسيا، وبلاد اليونان، وروما، ذلك بأن الفن العظيم وليد الإيمان المنتصر.
ولم يكن النحت يفكر فيه على أنه فن مستقل بذاته، بل كان يعد مرحلة من فن شامل، ليس له اسم في لغة من اللغات -ذلك هو زخرفة العبادة،