ما كان لنا أن نتوقع من عهد "الشتات الثاني" أن ينتج أية ثقافة رفيعة بين اليهود. فقد استنزفت طاقتهم المهمة الوحشية التي واجهوها، مهمة البقاء على قيد الحياة. وتعطل التعليم الذي كانوا قد برزوا فيه وأتقنوه نتيجة للتنقل وانعدام الأمن في الحياة. وعلى حين شقت أوربا المسيحية طريقها إلى النهضة فرحة منتعشة، انصرف يهود أوربا إلى المعزل و"القبالة" وحرمت عليهم "الوصية الثانية" الإسهام في حركة إحياء الفنون. وكان بين اليهود عدد كبير من العلماء، ولكنهم انهمكوا في التلمود. وكان منهم النحويون مثل بروفيات دوران وأبراهام دي بالم. والمترجمون مثل أسحق بن بولكار، الذي نقل مؤلفات الغزالي إلى العبرية، ويعقوب مارتن الذي ترجم ابن سيناء وابن رشد وابن ميمون وليفي بن جرسون إلى اللاتينية. وأزعج إيليا لفيتا اليهود المتدينين بإقناعهم بشكل حاسم (١٥٣٨) بأن التوراة المزودة بالملاحظات وعلامات الحركة وإشارات الوقف (المازورة Masoretic) ، لم تكن أقدم من القرن الخامس الميلادي.
وتوضح ملحمة آل أبرابانل Abrobanels تقلبات الفكر اليهودي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وقد ولد دون أسحق أبرابانل في لشبونة ١٤٣٧، واستخدمه ألفرنسو الخامس ملك البرتغال وزيراً للمالية. ولكنه جمع بين مشاغله الرسمية والدراسات الدينية والتاريخية، وجعل من داره الرحيبة صالوناً للعلماء ورجال العلم ورجال الأعمال. ولما توفي ألفونسو فقد أبرابانل الحظوة الملكية، وهرب إلى أسبانيا