القرن التاسع عشر. إن سلسلة من الأفكار تزين السلسلة الكبرى للوجود وتشكل تاريخ الحضارة.
[٤ - بنثام: عن القانون]
استخلاص أفكار جرمي بنثام Jeremy Bentham أصعب من استخلاص أفكار جودوين ومالتوس، لأن جودوين قدم مثاليات مغرية، ومالتوس قدم بعض الرعب الفاتن أما بنثام (١٧٤٨ - ١٨٣٢) فكتب في الاقتصاد والربا والمنفعة والقانون والعدالة والسجون - بالإضافة إلى أنه كان ماردا انعزاليا ظل يتعلم بلا نهاية، دائم التفكير في الأمور التي يصعب تحديدها، وكان لا ينشر إلا قليلا وفكر في إصلاح كل شيء، وتذمر من اقتران العملاقين (الغولين): المنطق والقانون، واستمر تأثيره يزداد في أثناء حياته (بلغ من العمر ٨٤ عاما) وساد طوال قرن.
لقد كان ابنا لمحام ثري كاد يسحقه من كثرة التعليم. وقيل إنه قرأ في الثالثة من عمره كتاب تاريخ إنجلترا ذي الثمانية مجلدات الذي ألفه بول دي رابين Paul de Rapin وكان قد بدأ تعلم اللغة اللاتينية وهو في هذه السن (كانت هذه التربية القاسية الخانقة قد انتقلت إلى جيمس مل Mill تلميذ بنثام وطبقها على ابنه جون). وفي مدرسة وستمنستر Westminster تفوق جيرمي في كتابة الشعر باليونانية واللاتينية.
وفي أكسفورد تخصص في المنطق وحصل على درجته العلمية وهو في الخامسة عشرة من عمره. وواصل دراسة القانون في لينكولن Lincoln لكن اضطراب كتب القانون أثار سخطه وانتهى إلى إدخال المنطق والنظام للتشريعات البريطانية وعلم القانون في بريطانيا مهما كلفه ذلك. وفي ديسمبر سنة ١٧٦٣ وكان في الخامسة عشرة من عمره سمع مديح وليم بلاكستون William Blackstone للقانون البريطاني فاعترته الدهشة والسخط لهذا النفاق الصَّدّاح الذي سيؤخر الإصلاح التشريعي ولا شيء غير ذلك ويكاد يكون قد قضى عمره منذ ذلك الوقت حتى وفاته في إدخال المنطق والاتساق والروح الإنسانية للقانون الإنجليزي. لقد سأل نفسه:
"ألدى عبقرية في أي شيء؟ ماذا أستطيع أن أنجز؟ ما هو الأكثر أهمية في هذه الحياة؟ التشريع. ألدى عبقرية في التشريع (سن القوانين)؟ لقد أحببت