إذا عرفنا الدين بأنه عبادة القوى الكائنة فوق الطبيعة. فلابد لنا منذ البداية أن نلاحظ أن بعض الشعوب- فيما يبدو- ليس لهم ديانة على الإطلاق فبعض قبائل الأقزام في أفريقيا لم يكن لهم عقيدة أو شعائر دينية يقيمونها بحيث يراها المشاهدون؛ ولم يكن لهم طوطم ولا أصنام ولا آلهة؛ وكانوا يدفنون موتاهم بغير احتفال، فإذا ما فرغوا من دفنهم لم يبدُ عليهم ما يدل على إنهم يهتمون لأمرهم بعد ذلك إطلاقاً، بل أعوزتهم حتى الخرافة، ذلك لو أخذنا بأقوال الرحالة فلم نظن بأقوالهم الإسراف الذي يعز على التصديق؛ وأما أقزام "الكامرون" فلم يعترفوا إلا بآلهة الشر وحدها، ولم يحاولوا قط إرضاء هؤلاء الآلهة على أساس أن المحاولة في هذه السبيل عبث لا يجدي؛ وقبيلة "في ذا" في سيلان اعترفت باحتمال وجود الآلهة وخلود الروح، لكنهم لم يجاوزوا ذلك الحد بحيث يؤدون الصلاة أو يقدمون القرابين؛ وسأل أحدهم سائلٌ عن الله فأجاب في حيرة فيلسوف حديث:"أيكون على صخرة أم على تل من تلال النمل الأبيض أم على شجرة؟ إني لم أر قط إلهاً! "؛ وهنود أمريكا الشمالية تصوروا إلها لكنهم لم يعبدوه، وظنوا- كما ظن أبيقور- أنه أبعد من أن يعنى بأمورهم، وقال هندي من قبيلة "أبيبون" ما عساه أن يحير عالماً من علماء الميتافيزيقا، إذ قال في لهجة كونفوشية "إن آباءنا وأجدادنا كانت تغنيهم هذه الأرض وحدها، لا يرجون شيئاً سوى أن يُنبت لهم السهل كلأ ويفجر لهم ماء لتَطعمَ جيادُهم