ويجب ألا يكون هناك بعد اليوم أي استئنافات (من الأساقفة) أمام روما .. وألا تتلقى الطرق (الدينية) أي توجيهات من رؤساء أجانب، ولا أن تحضر مجامع عامة خارج ألمانيا. ويجب ألا ترسل أية تبرعات لروما … وألا تملأ روما الوظائف الكنسية الشاغرة ذات الدخول، بل تملأ بانتخاب قانوني للمرشحين الوطنيين … وينبغي أن ينظم هذه الأمور وغيرها مجمع قانوني ألماني" (٤٩).
ولم يؤيد الأساقفة الألمان هذا الإعلان خوفاً من قوة الكيوريا المالية، ثم أنهم ترددوا في الاستعاضة عن سيادة روما النائية بسلطة الأمراء الألمان المباشرة والأصعب تفادياً. وهكذا انهارت الثورة الوليدة. وعدل هونتهايم عن أقواله (١٧٨٨)، وسحب رؤساء الأساقفة بيانهم التمهيدي (١٧٨٩)، وعادت الأمور كلها تسير سيرتها الأولى.
[٤ - عصر التنوير الألماني]
ولكن ليس بكل معنى العبارة فالتعليم، باستثناء الإمارات الكنسية، كان قد انتقل من سيطرة الكنيسة إلى سيطرة الدولة. فأساتذة الجامعات تعينهم الحكومة وتدفع رواتبهم (في تقتير مخجل)، ولهم وضع الموظفين العموميين. ومع أن جميع المدرسين والطلاب كان يشترط عليهم الإقرار بأنهم يدينون بمذهب الأمير، إلا أن الكليات الجامعية، حتى سنة ١٧٨٩، كانت تتمتع بقدر متزايد من الحرية الأكاديمية. وحلت الألمانية محل اللاتينية لغة للتعليم. وكثرت المقررات الدراسية في العلوم والفلسفة، وتوسع في تعريف الفلسفة (في جامعة كونجزبرج على عهد كانط) بأنها "القدرة على التفكير، وعلى البحث في طبيعة الأشياء دون تغرضات أو مذهبية" (٥٠). وقد طلب كارل فون تسيدلتس وزير التربية المخلص في عهد فردريك الأكبر، إلى كانط أن يقترح طرقاً "لصد الطلاب في الجامعات عن دراسات "أكل العيش"، وإفهامهم أن القليل الذي يتعلمونه من القانون، لا بل اللاهوت والطب، سيكون أيسر استيعاباً وآمن تطبيقاً لو ملكوا ناصية المعرفة الفلسفية" (٥١).