إلى أعلى سطحها. ولم يصنع الفخراني آنيته كلها من طينة واحدة، كما لم يصنعها كلها بنفس القوة والهشاشة؛ ومن أجل هذا لا يكاد يستهل عصر الكتاب الثاني من كتب الإلياذة حتى تستمع إلى حرب الطبقات، وحين يستشيط ثرسيتس Theresites غضباً ويطبق لسانه في أجممنون، ندرك من فورنا أن هذا عرض قديم من أعراض ذلك الداء المزمن الوبيل (٣٥).
[٢ - الأخلاق]
إنا ليخيل إلينا ونحن نقرأ أشعار هومر أننا نعيش في مجتمع أكثر بدائية وأقل خضوعاً للقوانين من المجتمع الذي شهدناه في نوسس أو ميسيني. فلقد رجعت الثقافة الآخية خطوة إلى الوراء، وكانت مرحلة انتقال بين الحضارة الإيجية الزاهرة والعصر المظلم الذي سوف يعقب الفتح الدوري. فالحياة الهومرية فقيرة في الفنون، غنية في النشاط والعمل؛ وهي ثقافة ينقصها التفكير والتأمل، خفية سطحية، سريعة. وهي أصغر سناً وأصلب عوداً من أن تهتم بالأخلاق أو الفلسفة. أو لعلنا نخطئ في حكمنا عليها لأننا نراها في الأزمنة الحادة أو الفوضى التي أعقبت الحرب.
ولسنا ننكر أننا نشهد في هذه الثقافة كثيراً من الصفات والمناظر الرقيقة الرحيمة، وإنك لترى المحاربين أنفسهم كرماء، يعطف بعضهم على بعض، كما ترى بين الأب والابن حباً به من العمق قدر ما به من السكون والصمت. فهاهو ذا أديسيوس يقبل رؤوس أفراد أسرته وأكتافهم حينما يعرفونه بعد غيابه الطويل، وهاهم أولاء يقبلونه كما يقبلهم (٣٦). وحين يعلم منلوس وتعلم هلن أن تلمكس الطفل النبيل ابن أديسيوس المفقود الذي حارب من أجلهم حرب الأبطال يبكيان ويتحسران (٣٧). وحتى أجممنون نفسه لا يستعصي عليه البكاء فيذرف من الدموع ما يذكر هومر بمجرى ماء يتدفق فوق الصخور (٣٨). والصداقة بين الأبطال قوية متينة، وإن كنا نظن أنه قد يكون في العلاقة القوية أو قل العلاقة الغرامية التي بين أكليز وبتركلوس، وخاصة بتركلوس الميت