ومؤدى المسرحية أن الجهل المستشري بين العوام، يدعمه المكر والخداع، يولد الحماقة، التي تحبط الحكمة مراراً، وتحرم الكفاية من تاجها، حتى ينتصر العقل والصبر في النهاية على الخداع بالكشف عن الحقيقة، على أن "الحقيقة" كان يقصد بها القبلانية. وفي ١٧٤٤ ذهب إلى فلسطين، أملاً في أن ينادي به المسيح المنتظر، ولكنه مات في عكا بالطاعون (١٧٤٧) وهو في التاسعة والثلاثين. وكان آخر صوت فصيح لعصر اليهودية الوسيط، كما كان أول صوت كبير ليهودية تنبعث من العزلة الواقعية إلى الاحتكاك بالفكر الحديث.
[٣ - موسى مندلسون]
كان جد فيلكس مندلسون من أنبل شخصيات القرن الثامن عشر، وكان صديقاً وخصماً لكانط، وصديقاً وملهماً لليسنج. وكان أبوه مناحم مندل كاتباً ومعلماً بمدرسة يهودية في دسو. وهناك ولد "موسى الثالث" في ٦ سبتمبر ١٧٢٩، وشب مشغوفاً بالدرس حتى لقد أصابه شغفه هذا بتقوس مستديم في العمود الفقري. فلما بلغ الرابعة عشرة أوفد إلى برلين لمزيد من دراستة التلمود، وهناك اتبع بحذافيره تقريباً أمر التلمود الذي نصه "كل الخبز بالملح، واشرب الماء بمقدار، ونم على الأرض اليابسة، وعش عيشة الحرمان، وليكن الناموس شغلك الشاغل"(٤٥). وظل سبع سنين قانعاً بسكناه في إحدى العليات يعم رغيف خبزه الأسبوع بخطوط تحدد جرايته اليومية (٤٦)، ويكسب الرزق الضئيل بنسخ الوثائق بخطه الأنيق. وفي برلين أكب على آثار موسى بن ميمون، ووجد الشجاعة في حياة "موسى الثاني" ذاك وتعلم منه ومن الحياة أن ينزل بكبريائه إلى التواضع وبحدة طبعه من اللطف والمجاملة. وعلمه رفقاؤه البرلينيون اللاتينية والرياضيات والمنطق، وقرأ لوك في ترجمة لاتينية، وانتقل إلى ليبنتس وفولف، ولم يلبث أن عشق الفلسفة. ثم تعلم كتابه الألمانية في نصاعه رقيقة ندر أن تجاهد لها نظيراً في أدب وطنه جيله.