للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وانتهت أيام فقره حين أصبح في الحادية والعشرين معلمً خاصاً في أسرة صاحب مصنع حرير في برلين يدعى إسحاق برنهارت، وبعد أربع سنوات عين محاسباً بالشركة ثم مندوباً متجولاً لها، وأخيراً شريكاً فيها. وقد احتفظ بصلة العمل هذه بنشاط حتى نهاية عمره، لأنه اعتزم ألا يعتمد في رزقه على رواج كتبه وحصيلتها من المال. والراجح أنه التقى بليسنج في ١٧٥٤، على لعبة شطرنج فيما يبدو، وهكذا بدأت صداقة اتصلت حتى موت ليسنج رغم ما بينهما من خلافات فلسفية. كتب لينج إلى صديق آخر في ١٦ أكتوبر ١٧٥٤ يقول: "إن مندلسون رجل في الخامسة والعشرين، اكتسب دون أي تعليم جامعي معلومات كبيرة في اللغات والرياضيات والفلسفة والشعر. وأني لأتطلع فيه إلى مفخرة لأمتنا إذا أتاح له إخوانه في الدين أن يصل إلى درجة النضج … وأن صراحته وروحه الفلسفية ليجعلانني أعده سلفاً، اسبينوزا ثانياً" (٤٧). أما مندلسون فكان يقول أن كلمة ود أو نظرة محبة من ليسنج تطرد عنه كل حزن أو غم (٤٨).

وفي ١٧٥٥ رتب ليسنج نشر كتاب مندلسون "أحاديث فلسفية"، الذي شرح ودافع عن كلاً من سبينوزا وليبنتس. وفي العام ذاته تعاون الصديقان على كتابة مقال "بوب ميتافيزيقيا! " زعما فيها أن هذا الشاعر الإنجليزي لم يكن له فلسفة من بنات أفكاره، وكل ما فعله أنه نظم فلسفة ليبنتس شعراً. وفي ١٧٥٥ أيضاً نشر مندلسون "رسائل في الوجدان"، وقد سبق هذا كانط في رأيه أن الإحساس بالجمال مستقل كل الاستقلال عن الشهوة. وقد أكسبت هذه الكتب المنشورة اليهودي الشاب الترحيب في برلين بين "الإخوان الفلاسفة الذين لم يكونوا على تمام الصفاء والرزانة". وعن طريق ليسنج التقى بفردريش نيقولاي، ودرس هو ونيقولاي اليونانية معاً، وما لبث أن بدأ يقرأ أفلاطون في لغته الأصلية. ثم ساعد نيقولاي في إنشاء مجلة سميت "مكتبة الآداب البحتة والفنون الجميلة"، وأسهم في هذه المجلة وغيرها من المجلات بمقالات كان لها تأثير قوي في الأفكار السارية في نقد الأدب والفن.

وأحس مندلسون الآن بقدر من الأمن والطمأنينة يتيح له أن يقيم بيتاً