للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢ - القوانين]

يبدو أن القوانين كانت في نظر اليونان الأقدمين عادات مقدسة ارتضتها الآلهة وأوحت بها؛ وكانت لفظة ثميس Themis (١) في لغتهم تطلق على هذه العادات وعلى الآلهة التي يتمثل فيها نظام العالم الأخلاقي وائتلافه (كما يتمثل في الدو أو التين الصيني، وفي رينا الهندية). وكان القانون عندهم جزءاً من الدين، وشاهد ذلك أن أقدم قوانين الملكية عند اليونان كانت ممتزجة بالطقوس الدينية وبقوانين المعابد القديمة (٣٦).

ولعل القواعد التي قررتها مراسيم شيوخ القبائل أو الملوك، والتي بدأت بوصفها أوامر تفرضها القوة وانتهت بأن صارت على توالي الأيام تعاقداً وتراضياً بين الحاكمين والمحكومين، نقول لعل هذه القواعد كانت هي الأخرى قديمة قدم هذه القوانين الدينية.

وكانت المرحلة الثانية من مراحل تاريخ التشريع اليوناني هي جمع العادات المقدسة وتنسيقها على يد مشترعين Thesmothetai أمثال زلولسوس Zaleucus وكرونداس Chronodas، ودراكون Drako وصولون. ولما أن دوّن هؤلاء الرجال وأمثالهم قوانينهم الجديدة أصبحت العادات المقدسة Thesmoi قوانين من وضع الإنسان Nomoi (٢) . وفي هذه الكتب القانونية تحرر القانون من سيطرة الدين وازدادت على توالي الأيام صبغته الدنيوية، وأصبحت نية الفاعل ذات شأن


(١) ومعناها "ما يوضع أو يقرر" وهي مشتقة من ti-themi أي أضع. قارن هذا أيضاً بكلمة doom الإنكليزية التي كان معناها في الأصل قانون وكلمة duma الروسية.
(٢) وكان لفظ ثسمثتاي Thesmothetai يطلق في أثينة أيام بركليز على الستة الأركونين الصغار الذين كانوا يسجلون القوانين، ويفسرونها، ويلزمون الناس باتباعها. وكانوا في أيام أرسطاطاليس يتولون رياسة المحاكم الشعبية.