كبير في الحكم على فعله، وحلت التبعة الفردية محل الالتزامات العائلية، واستبدل بالانتقام الفردي العقاب القانوني على يد الدولة (٣٧).
وكانت الخطوة الثالثة في تطور التشريع اليوناني هي نمو الشرائع المطرد وتجمعها. ذلك أن اليوناني إذا تحدث في أيام بركليز عن قوانين أثينية كان يقصد بهذه القوانين شرائع دراكون وصولون والقرارات التي أصدرتها الجمعية والمجلس ولم تُلغ بعد صدورها؛ وإذا تعارض قانون جديد مع قانون قديم، استلزم هذا إلغاء القانون القديم. ولكن البحث عن هذا التناقض وتقصي القوانين المتعارضة قلما كانا بحثاً وتقصياً كاملين، ومن أجل هذا نجد في بعض الأحيان قانونين متعارضين تعارضاً مضحكاً. وكان يحدث في أوقات الارتباكات التشريعية الشاذة أن تختار بطريق القرعة من المحاكم الشعبية لجنة من مقرري القوانين Nomethetai لتقرر أي القوانين يجب الإبقاء عليها وأيها يجب إلغاؤها. ويعين في هذه الحال محامون ليدافعوا عن القوانين القديمة ضد من يقترحون إلغاءها. وقد نُقشت شرائع أثينية بإشراف أولئك المقررين على ألواح من الحجارة في "باب الملك" بعد أن صيغت في عبارات بسيطة سهلة الفهم، وبهذه الطريقة لم يكن يسمح لأي حاكم أن يفصل في مسألة بالاستناد إلى قانون غير مكتوب.
والتشريع الأثيني لا يفرق بين القانون المدني والقانون الجنائي إلا في أنه يحتفظ للأريوبجوس بحق الفصل في جرائم القتل، وفي أنه يترك المدعي في القضايا المدنية أن يتولى بنفسه تنفيذ قرار المحكمة، فلا تتقدم الدولة لمعونته إلا إذا لقي في هذا التنفيذ مقاومة (٣٨). وكان القتل قليل الحدوث لأنه يعد خطيئة دينية وجريمة قانونية في وقت واحد، ولأن الخوف من الانتقام يظل قائماً إذا عجز القانون عن الاقتصاص من القاتل. وقد بقي القصاص المباشر حتى القرن الخامس قبل الميلاد مباحاً في أحوال خاصة، من ذلك أن الرجل إذا وجد أمه أو زوجته، أو محظيته، أو أخته، أو ابنته ترتكب الفحشاء كان من حقه أن يقتل من