عجيب أن يفلت من الرقيب كتاب يحوي ما حوى إميل من هجوم صريح على كل شيء إلا أسس المسيحية، وأن يطبع في فرنسا. ولكن الرقيب كان مالزيرب المتسامح العطوف. وقبل أن يأذن بالنشر حث روسو على أن يحذف فقرات من المؤكد أنها تدفع الكنيسة إلى العداء النشيط. ولكن روسو رفض. ولقد نجا زنادقة آخرون من الاضطهاد لأشخاصهم بالتخفي وراء أسماء مستعارة، أما روسو فقد ذكر أسمه بشجاعة على صفحات غلاف كتبه.
وبينما ندد جماعة الفلاسفة بإميل باعتباره خيانة أخرى للفلسفة، أدانه أحبار فرنسا وقضاة باريس وجنيف باعتباره مروقاً من المسيحية. وأعد رئيس أساقفة باريس، عدو الجنسنين، للنشر في أغسطس ١٧٦٢ رسالة قوية تهاجم الكتاب. وكان برلمان باريس المناصر للجنسنين مشغولاً بطرد اليسوعيين، ولكنه أراد رغم ذلك أن يبدي غيرته على الكاثوليكية، وأتاح له ظهور إميل فرصة ليضرب ضربته دفاعاً عن الكنيسة. واقترح مجلس الدولة الذي كان يخوض حرباً مع البرلمان، ويكره أن يكون دونه غيرة على سلامة العقيدة، أن يلقي القبض على روسو. فلما نمى الخبر إلى أصدقاء روسو من النبلاء نصحوه بالرحيل فوراً من فرنسا. وفي ٨ يونيو بعثت إليه مدام دكريكي رسالة تشي بانفعالها. قالت: لا ريب في أن أمراً صدر بالقبض عليك. فاستحلفك بالله أن تهرب … إن حرق كتابك لن يضيرك أما شخصك فلا يطيق السجن. فاستشر جيرانك (١).