الدعوتين المتعارضتين وجدتا غذاء في إدانته الأغنياء وعطفه على الفقراء. وقد ألهمت النزعة الفردية التي اتسمت بها أول "الأحاديث" ورفضته "المدينة" الثوار من بين، وجودوين، وشلي، إلى تولستوي وكرويوتكين وإدوارد كاربنتر. قال تولستوي "كنا أنا في الخامسة عشرة أحيط عنقي بميدالية عليها صورة روسو بدلاً من الصليب المعتاد"(٩٢). وقد وفرت عقيدة المساواة، التي بشر بها ثاني "الأحاديث" موضوعاً أساسياً لضروب متنوعة من النظرية الاشتراكية، من "جراكوس" بابوف وشارل فورييه وكارل ماركس إلى نيقولاي لينين. ويقول جوستاف لانسون "كان كل تقدم أحرز طوال قرن من الزمان في الديمقراطية، والمساواة، وحق التصويت للجميع، وكل دعاوى الأحزاب المتطرفة التي قد نكون موجة المستقبل، والحرب على الثراء والملكية، وكل الحركات المحرضة للجماهير الكادحة المعانية، كل أولئك كان، من بعض النواحي، من عمل روسو"(٩٣) أنه لم يخاطب المثقفين والكبار بالمنطق والحجة، بل تكلم إلى الشعب كله بشعور وحماسة في لغة يستطيعون فهمها، وكانت حرارة بيانه، في السياسة كما في الأدب، أقوى من سلطان قلم فولتير.
[٣ - لحن سير جنائزي]
بعد أن رأى ديدرو عام ١٧٧٨ سأل صديقاً "لم يتحتم أن يموت؟ "(٩٤). ولقد بدا لحن السير الجنائزي الذي شيعت به جماعة الفلاسفة، من موت هلفتيوس في ١٧٧١ إلى موت موريللية في ١٨١٩، كأنه تعليق ساخر على الغرور والخيلاء، ولكن قد نتساءل أيضاً لم طال عمر بعض هؤلاء الرجال طولاً جر معه كل آلام الشيخوخة وهوانها.
وقد مات المحظوظون منهم قبل الثورة، تعزيهم مائة أمارة على أن أفكارهم وشيكة الانتصار فقضى كوندياك في ١٧٨٩، وطورجو في ١٧٨١. أما دالامبير فقد مد في أجله على كره منه بعد موت الآنسة دلسبيناس. وكانت قد أودعته أوراقها، ووضح منها أنها في السنين الإثنتي عشرة الأخيرة من حياتها منحت حبها لمورا أوجيبير، ولم تترك له غير