صداقة يشوبها الضيق أحياناً. قال كوندورسيه لطورجو "أن دالامبير مطعون طعنه نجلاء، وكل ما أرجوه له الآن أن تكون حياته محتملة"(٩٥). وقد عاد إلى دراساته، ولكنه لم يكتب بعدها شيئاً ذا بال. وكان يختلف إلى بعض الصالونات ولكن الحياة انطفأت من حديثه الذي كان يوماً ما ألمعياً، وقد رفض الاستجابة لدعوة فردريك إلى بوتسدام، ودعوة كاترين إلى سانت بطرسبورج. وكتب إلى فردريك يقول:"أنني أشعر كأنني رجل تنبسط أمامه صحراء شاسعة تنتهي بهاوية الموت، ولا أمل له في لقاء إنسان واحد إن رآه يسقط فيها، أو يفكر فيه مرة أخرى بعد أن يختفي"(٩٦).
وكان في هذا مخطئاً، فقد اهتم به الكثيرون، ولو أولئك الذين كان يمدهم ببعض دخله المنتظم. ذلك أن هيوم أوصى لدالامبر بمائتي جنيه (٩٧) وهو واثق أنه سيوزع هذا المبلغ. ومع أنه كان يتقاضى مختلف المعاشات، فقد عاش عيشة بسيطة إلى النهاية، و١٧٨٣ أصيب هو وديدرو بأمراض خطيرة-فأصيب ديدرو بذات الجنب، ودالامبير باضطراب في المثانة. وشفي ديدرو، أما دالامبير فقضى نحبه (٢٩ أكتوبر ١٧٨٣) بالغاً من العمر سبعة وستين عاماً.
وكان ديدرو قد عاد من مغامراته الروسية في أكتوبر ١٧٧٤. وقد أضناه طول السفر في مركبة حبست حركته، ولكنه تنبأ صادقاً بأن "القدر يخبئ له عشر سنين أخر في جرابه"(٩٨). ثم عكف على "خطة لإنشاء جامعة لحكومة روسيا"(لن تنشر حتى ١٨٠٣)، وقد دعا للاهتمام الأشد بالعلم والتكنولوجيا، ووضع اليونانية واللاتينية والأدب في نهاية القائمة تقريباً، وبين الطائفتين الفلسفة فسبق بذلك التطورات التربوية بمائة وخمسين عاماً. وفي ١٧٧٨ بدأ "مقالاً عن عهدي كلوكيوس ونيرون، وعن حياة سنكا ومؤلفاته". واستطرد في هذا المقال ليرجو الأمريكيين المنتصرين في جمهوريتهم الجديدة أن "يمنعوا الزيادة الهائلة والتوزيع غير المتكافئ للثروة والترف، والتبطل وفساد الأخلاق"(٩٩). وفي القسم المخصص لسنكا