حقه، وظل عشر سنين يحارب جريجوري حرباً دبلوماسية وعسكرية، لم تنته إلا بموته، وكانت من أشد الحروب هو لا في تاريخ العصور الوسطى. وانتهز نبلاء ألمانيا المتمردون المشاكسون هذا النزاع ليزيدوا سلطتهم الإقطاعية، وعاد السكسون الذين استذلهم الملوك إلى ثورتهم. وانضم أبناء هنري إلى معارضيه وظل النزاع قائماً حتى نادى مجلس مينز بهنري الخامس ملكاً في عام ١٠٩٨، وأسر الابن أباه وأرغمه على النزول عن العرش (١١٠٥) ثم فر الأب وخذ يحشد جيشاً جديداً، ولكنه مات في ليبيج في السنة السابعة والخمسين من عمره (١١٠٦)، ولم يجد البابا باسكال Paschal الثاني من حقه أن يمنح رجلاً محروماً مات دون أن يتوب دفنة مسيحية، ولكن أهل ليبيج تحدوا البابا والملك وشيعوا جنازة هنري الرابع في موكب ملكي فخم وواروه التراب في كنيستهم الكبرى.
[٢ - الحضارة الألمانية]
٥٦٦ - ١٠٦٦
واستطاعت جهود الرجال والنساء الذين يفلحون الأرض وينشئون الأطفال أن تفتح ألمانيا وتهيئتها للحضارة. لقد كانت الغابات فيها ضخمة كثيفة إلى أقصى حد، تأوي إليها الوحوش الكاسرة، وتعوق الاتصال والوحدة، وقام أبطال مجهولون بتقطيع أشجار الغابات، ولعلهم أسرفوا في هذا التقطيع، ودام الكفاح في سكسونيا بين الأهلين وبين الأشجار التي تنمو بطبيعتها كلما قطعت، والمناقع التي تنشر الأوبئة- دام هذا الكفاح ألف عام ولم يكتب النصر فيه للإنسان إلا في القرن الثالث عشر. وتوالت الأجيال جيلاً بعد جيل والزراع والمجدون البواسل يطاردون الوحوش، وينقصون من أطراف البرابري القاحلة، ويذللون الأرض بالفأس والمحراث، ويغرسون أشجار الفاكهة، ويربون قطعان الماشية، ويعنون بالكرام، ويخففون من آلام وحدتهم بالحب والصلاة، والأزهار والموسيقى والجعة. وكان المعدنون يستخرجون من الأرض والملح، والحديد،