لم يكن في استطاعة إيطاليا أن تتحد في سبيل الدفاع عن نفسها وهي منقسمة إلى نحو اثنتي عشرة دولة متحاسدة متنابذة. وانصرف الإيطاليون إلى الاستمتاع بالحياة والتلذذ بها انصرافاً جعلهم يتركون الأجانب الذين أعوزهم النضج يقتتلون طمعاً في ثمرة السياسة المرة، وغنائم الحرب وأسلابها الملوثة. وهكذا غدت شبه الجزيرة الزاهرة ساحة قتال بين أسبانيا وفرنسا البوربونيتين والنمسا الهابسبورجية. ووضعت سلسلة متعاقبة من حروب الوراثة أوزارها في ١٧٤٨ وقد استردت أسبانيا مملكة نابولي ودوقية بارما، واحتفظ الباباوات بسلطانهم على الدويلات البابوية، وطلت سافوي والبندقية وسان مارينو حرة، وكانت جنوا ومودينا محميتين فرنسيتين، واحتفظت النمسا بميلان وتسكانيا. وكانت الشمس أثناء ذلك تشرق على ربوع إيطاليا والحقول والكروم والبساتين تجود بالطعام والشراب، وكانت النساء رائعات الحسن مشبوبات العاطفة، والأغاني والألحان تملأ أجواء الفضاء، ووفد عليها الأجانب سائحين وطلاب علم ليستمتعوا بالمناخ ومشاهد الطبيعة، وبالمسارح والموسيقى والفن، وبمخالطة رجال ونساء أوتوا ثقافة قرون طوال. لقد كانت إيطاليا، على الأقل في شمالها، أسعد بلد في أوربا، رغم أنها كانت نصف مغلوبة، ونصف مسلوبة منهوبة.
وكان سكانها عام ١٧٠٠ يناهزون الأربعة عشر مليوناً، وعام ١٨٠٠ الثمانية عشر مليوناً. وكان الصالح للزارعة من أرضها يقل عن النصف ولكن