للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومع ذلك حين تذكر أنه يعيش في فرنسا بفضل تسامح ملك أساء إليه بإقامته في بوتسدام، وحين رأى بومبادور وشوازيل ومالزيرب وطورجو يوجهون الحكومة الفرنسية صوب التسامح الديني والإصلاح السياسي-وربما لأنه تاق إلى الإذن له بالعودة إلى باريس-اتخذ على العموم نغمة أكثر وطنية، واستنكر الثورة العنيفة:

"إذا اشتد شعور الفقراء بفقرهم أعقبت ذلك حروب كحروب حزب الشعب ضد مجلس الشيوخ في روما، وحروب الفلاحين في ألمانيا، وإنجلترا، وفرنسا. وقد انتهت هذه الحروب كلها، إن عاجلاً أو آجلاً، بإخضاع الشعب، لأن الكبار يملكون المال، والمال في الدولة هو صاحب الأمر والنهي في كل شيء" (٨٥).

إذن، فبدلاً من انقلاب من أسفل، حيث القدرة على التدمير لا تتبعها القدرة على التعمير، وحيث تعود الكثرة الساذجة بعد قليل للخضوع مرة أخرى لقلة ماكرة، آثر فولتير أن يعمل على قيام ثورة غير عنيفة عن طريق انتقال التنوير من المفكرين إلى الحكام، والوزراء، والقضاة، وإلى التجار ورجال الصناعة، وإلى الصناع والفلاحين. "أن العقل يجب إقراره أولاً في أذهان القادة، ثم ينزل شيئاً فشيئاً وفي النهاية يحكم أفراد الشعب، الذين لا يعون وجوده، ولكنهم حين يرون اعتدال رؤسائهم يتعلمون أن يقلدوهم" (٨٦). ورأى أن التحرير الحقيقي الوحيد، في المدى الطويل، هو التعليم، وأن الحرية الحقيقية الوحيدة هي الذكاء. "كلام استنار الناس تحرروا" (٨٧). وليس هناك ثورات حقيقية غير تلك التي تغير العقل والقلب، ولا ثورا حقيقيون غير الحكيم والقديس.

[٤ - المصلح]

وبدلاً من أن يدعو فولتير لثورة سياسية راديكالية، جاهد في سبيل إصلاح معتدل تدريجي في إطار هيكل المجتمع الفرنسي القائم، وفي نطاق هذه الدائرة المنكرة للذات حقق أكثر مما حققه أي رجل آخر في جيله.