كان عدد الطلبة الهنود الذين يدرسون في إنجلترا سنة ١٩٢٣ يزيد على ألف، وربما كان عدد من يدرسون في أمريكا عندئذ مساوياً لذلك العدد، بل ربما كان هذا العدد كذلك يدرس في البلدان الأخرى؛ فدهشوا للحقوق التي يتمتع بها أحط المواطنين في أوربا الغربية وأمريكا؛ ودرسوا الثورتين الفرنسية والأمريكية، وقرأوا أدب الإصلاح والثورة، وأمعنوا أنظارهم في "قانون الحقوق" و"إعلان حقوق الإنسان" و"إعلان الاستقلال" و "الدستور الأمريكي" فعادوا إلى أوطانهم ليكوّنوا مراكز إشعاع للآراء الديمقراطية وإنجيلاً يبشر بالحرية؛ وقد اكتسبت هذه الآراء قوة لا تغْلب بسبب ما ظفر به الغرب من تقدم صناعي وعلمي، ونصر الحلفاء في الحرب؛ فلم يلبث هؤلاء الطلاب أن أخذوا يصيحون بالدعوة إلى الحرية؛ فقد تعلم الهنود حقوقهم في الحرية في مدارس إنجلترا وأمريكا.
ولم يقتصر المشارقة الذين تعلموا في الغرب على التقاط المثل العليا السياسية إبان تعلمهم خارج بلادهم، بل نفضوا عن أنفسهم كذلك الأفكار الدينية؛ فهاتان العمليتان مرتبطتان معاً في تراجم الأشخاص وتاريخ الأمم، جاء هؤلاء الطلاب إلى أوربا يعمر الدين قلوبَهم الشابة، يعتقدون في "كرشْنا" و "شيفا" و"فشنو" و "كالي" و "راما" … ثم مسّوا العلم، فإذا بعقائدهم القديمة قد تحطمت أشلاء كأنما نزلت بها نازلة ساحقة، ولما تجرد هؤلاء الهنود المستغربون