عن عقيدتهم الدينية التي هي روح الهند ولبابها، عادوا إلى وطنهم وقد زالت عن أعينهم الغشاوة التي كانت تزين القبيح، وسادهم الحزن، وسقط ألف إله أمام أعينهم من سمائهم صرعى (١)، فلم يكن بد من أن يتخيلوا "مدينة فاضلة على الأرض لتملأ مكان الفردوس السماوي الذي تحطم وحلت الديمقراطية محل "النرفانا" وأخذت الحرية مكان الله، فما جرى في أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أخذ يجرى شبيهه الآن في الشرق.
ومع ذلك فالأفكار الجديدة أخذت تسير مجراها في خطوٍ وئيد، ففي سنة ١٨٥٥ اجتمعت طائفة قليلة من زعماء الهنود في بمباي وأسسوا "المؤتمر الهندي القومي" لكن الظاهر أنهم لم يحلموا عندئذ حتى بمجرد الحكم الذاتي، وبعدئذ حاول "لوردكيرزن" أن يقسم البنغال (ومعنى ذلك أن يصيب أقوى جماعة هندية وأشدها وعياً سياسياً بالتفكك والضعف) فأثارت محاولته تلك جماعة الوطنيين بحيث تقدموا خطوة نحو الثورة، وفي المؤتمر المنعقد سنة ١٩٠٥ طالب "تيلاك" في صلابة لاتين بـ "سواراج" وهذه كلمة اشتقها هو (٥٠) من أصول سنسكريتية، ومعناها الحكم الذاتي (والكلمة الهندية قريبة لفظاً من العبارة الإنجليزية self - rule) ؛ وحدث في نفس ذلك العام المليء بالحوادث أن هزمت اليابان روسيا، وبدأ الشرق الذي لبث قرناً كاملاً يخشى صولة الغرب، بدأ يضع الخطة لتحرير آسيا، وتزعَّم "سَنْ يات سِنْ" الصين فجمع هؤلاء سيوفهم وارتموا في أحضان اليابان، أما الهند العزلاء من سلاحها، فقد أسلمت قيادها لزعيم هو من أغرب من شهد التاريخ من رجال، فضربوا للعالم مثلاً لم يسبق له مثيل، لثورة يقودها قديس، تثور ثائرتها بغير مدفع.
(١) هذا الكلام لا ينطبق على الجميع، فبعضهم - على حد تعبير "كوما رازوامي" البليغ "قد عاد من أوربا إلى الهند".