للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢ - في القاع]

وإذا كان لنا أن نعيد النظر في أحوال عمال المصانع في بريطانيا في سنة ١٨٠٠ وجب علينا ألا نبالغ في أهميتهم في نطاق الصورة العامة في ذلك الوقت، إذ يمكن أن نفترض وجود كثير من المشاهد الباعثة على السرور في إنجلترا السعيدة Merrie England. فلم يكن العمل في المصانع في حد ذاته في ذلك الوقت هو المَعْلم الرئيسي للصناعة البريطانية، فقد كان معظم الإنتاج الصناعي لا يزال يجري إنجازه في البيوت في الريف والحضر على أنوال أو مخارط، أو على يد حرفيين في محلات (دكاكين) مستقلة. وكان التصنيع من خلال نظام المصانع مقتصراً على عمليات إعداد القطن والكتان والصوف، ورغم محدودية هذا النظام، فإن دوره في بانوراما العصر panorama (المشهد العام للعصر) كان واحداً من أشد الأدوار مدعاة للحزن في التاريخ الإنجليزي.

لقد كانت المصانع نفسها قائمة في الأحياء القذرة أي أحياء الفقراء مكفّنة بالروائح الكريهة المنبعثة من الماء الآسن والدخان الناتج عن المصانع ذاتها التي كانت من الداخل متربة بشكل عام وقذرة وسيئة التهوية والإضاءة حتى عام ١٨٠٥ حين بدأت الإضاءة بغاز الاستصباح. وكان يتم تشغيل الماكينات بسرعتها القصوى مما كان يتطلب من العاملين عليها مراقبتها بعيون حذرة وتظل أيديهم مشغولة طوال اثنتي عشرة أو أربع عشرة ساعة في اليوم. لقد حدث وقتها كما حدث في وقت لاحق أن أدت المخترعات الآلية إلى إنقاذ العمل واستهلاك الإنسان. وكان مسموحاً للعمال بساعة لتناول الغداء وبعدها يستمر الكدح حتى الساعة الثامنة مساء في معظم الحالات. وعند الحاجة كان يتم دعم القوى العاملة من المخزون البشري المتمثل في الفلاحين المرحّلين والنسوة الضائعات.

وكان أصحاب المصانع يفضلون النساء على الرجال، والأطفال على النساء لقلة أجورهم. وفي سنة ١٨١٦ كان من بين ١٠،٠٠٠ من العاملين في ٤١ طاحونة اسكتلندية: ٣،١٤٦ رجلاً و ٦،٨٥٤ امرأة و ٤،٥٨١ طفلاً دون الثامنة عشرة من العمر. وكان أصحاب المصانع يفضلون تشغيل الأطفال الأيتام والمعوزين الذين يُرسلهم مقاولو تشغيل الفقراء لنجدتهم، وذلك لانخفاض أجورهم. وحاول مرسوم المصانع The Factory Act الصادر في