كانت الموسيقى في أول الأمر محرمة في الإسلام تعدّ من الآثام، شأنها في ذلك شأن النحت (١٤٥). نعم إنه لم ينص على تحريمها في القرآن، ولكن حديثاً مشكوكاً في صحتهِ يعزو إلى النبي أنه لخوفهِ من عاقبة أغاني النساء الخليعات ورقصهن قال ما معناه إن الآلة الموسيقية كمؤذن الشيطان يستفز من استطاع إلى عبادته. وكان علماء الدين وأتباع المذاهب الأربعة ينفرون من الموسيقى لأنها تثير الشهوات، ولكن منهم من قال متسامحاً إنها ليست إثماً في ذاتها. أما الناس، وهم أحكم في مسلكهم منهم في عقائدهم، فكان يجري على ألسنتهم مجرى الأمثال أن "الخمر كالجسد والسماع كالروح والسرور ولدهما"(١٤٦). وقد رافقت الموسيقى كل مرحلة من مراحل الحياة الإسلامية وملأت آلاف الليالي العربية بأغاني الحب والحرب والموت؛ فكانت قصور الأمراء وكثير من بيوت العظماء تستخدم المغنين ليطربوا أهلها بقصائد الشعراء أو بقصائدهم هم أنفسهم، وفي ذلك يقول مؤرخ قدير صائب الحكم على هذه الأمور قولاً خليقاً بأن يثير الدهشة: إن المنزلة التي بلغتها الموسيقى بجميع فروعها عند العرب لتزري بمنزلة هذا الفن في تاريخ أي بلد آخر (١٤٧) ". نعم إن الأذن الغربية لا تستطيع بغير مران طويل أن تقدر خصائص الموسيقى العربية-ونعني بتلك الخصائص تفضيلها حسن الإيقاع على انسجام الألحان، وتقسيم النغمات إلى أثلاث لا إلى أنصاف، وما في تكوينها وتوقيعها من نظارة وبهجة هي من مميزات بلاد الشرق. وقد تبدو لنا نحن الغربيين تكراراً بسيطاً، محزناً مملاً، غريباً مستهجناً غير منتظم. لكن الموسيقى الأوربية نفسها تبدو للعربي ناقصة في عدد نغماتها،