وفي دقة هذه النغمات؛ مولعة إلى حد الإسفاف بالتعقيد الذي لا خير فيهِ، وبالأصوات الناشزة الشديدة الارتفاع. وإن ما في الموسيقى العربي من رقة تبعث على التفكير لتؤثر في نفس المسلم أعمق التأثير. ويحدثنا السعدي عن غلام يغني بنغمة محزنة مؤثرة تستوقف الطائر في كبد السماء (١٤٨). ويصف الغزالي النشوة بأنها الحالة التي يبعثها الاستماع إلى الموسيقى (١٤٩). وقد أفرد أحد المؤلفين العرب فصلاً في كتابهِ للحديث عن الذين فقدوا وعيهم أو ماتوا وهم يستمعون إلى الموسيقى الإسلامية، وقد استعان بها الدراويش في أذكارهم وشعائرهم وإن كان الدين نفسه قد ندد بها في أول الأمر.
وبدأت الموسيقى الإسلامية بالألحان والأشكال الساميَّة القديمة، ثم تطورت على ضوء صلاتها بالتقاسيم اليونانية الآسيوية النشأة وتأثرت تأثراً قوياً بالموسيقى الفارسية والهندية. وقد أخذت إحدى العلامات وكثير من القواعد الموسيقية عن اليونان؛ وللكندي، وابن سينا، وإخوان الصفا، كتابات مطولة في هذا الموضوع؛ وكتاب الفارابي في الموسيقى أشهر ما ألف في العصور الوسطى في النظريات الموسيقية وهو يضارع أي كتاب وصل إلينا من المصادر اليونانية إن لم يفقه (١٥٠). وقد وضع المسلمون منذ القرن السابع السلم الموسيقي (ويبدو أن ذلك لم يكن معروفاً في أوربا قبل عام ١١٩٠)(١٥١) -وكانت علاماتهم تدل على طول الزمن الذي تمتد إليه كل نغمة وعلى مقاماتها (١٥٢).
وكان عند العرب آلات موسيقية تبلغ المائة عدّ أشهرها العود، والقيثارة، والبندور، والسنطير، والناي، ويقويها في بعض الأحيان البوق، والدف، والصنج، والرق، والطبل. وكان العود على أنواع وأحجام كثيرة لا تقل عن الأثني عشر؛ وكان الكبير منها يسمى القيثارة. وعن العرب أخذت كلمتا Iute، Guilar. وكان القوس يستعمل للعزف على بعض الآلات الوترية، وكان الأرغن بنوعيهِ الهوائي والمائي معروفاً عند العرب؛ وقد اشتهرت