ثم نتذكر أن اثنين وعشرين ألفاً من العمال ظلوا يكدّون اثنين وعشرين عاماً في إقامة هذا القبر الصغير الذي لا يكاد يبلغ ارتفاعه مائة قدم، فإننا نحسّ عندئذ بعض الإحساس، الفرق بين الصناعة والفن؛ فربما كانت قوة العزيمة الكامنة في تصور إقامة بناء مثل "تاج محل" أعظم وأعمق من قوة العزيمة التي نصف بها أمجد الفاتحين؛ ولو كان الزمن بصيراً بما يفعل، لأبى على كل شيء قبل أن ينال من "التاج" ليبقيه شاهداً على سمو النفس الإنسانية سمواً تمازجه الشوائب، لعل هذا السمو فيها يكون عزاء لآخر من تشهد الأرض من بني الإنسان.
[٤ - العمارة الهندية والمدنية]
انهيار الفن الهندي - الموازنة بين العمارة الهندوسية
والعمارة الإسلامية - نظرة عامة إلى المدنية الهندية
على الرغم من الستار الذي تم على يدي "أورنجزيب" فقد كان هذا الرجل عثرة نكداء في حظ المغول والفن الهندي، إذ حفزه التعصب الديني الضيق الأفق إلى أن ينصرف بكل نفسه إلى ديانة بعينها لا يسمح بغيرها إلى جانبها، ولذا فلم تر عيناه إلا وثنية وغروراً؛ وكان "شاه جهان" من قبل قد حرم إقامة المعابد الهندوسية (١٢٧)؛ ولم يكتف "أورنجزيب" باستمرار ذلك التحريم بل أضاف إلى ذلك شحاً في إعانة العمارة الإسلامية، حتى تضاءلت هي الأخرى تحت سلطانه؛ فلما مات، تبعه الفن الهندي إلى قبره فثوى معه.
إذا ما تأملنا العمارة الهندية باستعراضنا إياها استعراضاً موجزاً يعيد لنا سابق مراحلها، ألفيناها تنطوي على موضوعين، أحدهما فيه صلابة الرجولة والآخر فيه طراوة الأنوثة، أحدهما هندوسي والآخر إسلامي، وحول هذين المحورين تدور العمارة على اختلاف وجوهها كأنها السمفونية المختلفة النغمات؛ ولما كانت أشهر السمفونيات تبدأ بضربات قوية كضربات المطرقة تثير الانتباه اليقظ في