حياة العقل مزيج من قوتين أولاهما ضرورة الإيمان ليستطيع الإنسان الحياة. والأخرى ضرورة الاستدلال ليستطيع التقدم. وتكون إرادة الإيمان هي المسيطرة على العقل في عهود الفقر والفوضى لأن الشجاعة في تلك العصور هي كل ما يحتاجه الناس، أما في عهود الثراء فإن القوى الذهنية تبرز إلى الأمام لتفرض على الناس الرقي والتقدم، وعلى هذا فإن الحضارة في انتقالها من الفقر إلى الثراء تنزع إلى خلق النزاع بين العقل والإيمان، "والصراع بين العلم والدين". وفي هذا الصراع تعمل الفلسفة عادة على التوفيق بين الأضداد وإيجاد سلام وسط لأن وظيفتها هي أن ترى الحياة في كلتيها، ونتيجة ذلك أن يحتقرها العلم ويرتاب فيها الدين. وفي عصر الإيمان حين تجعل الصعاب الحياة شاقة لا تحتمل بغير أمل، تميل الفلسفة إلى الدين، وتستخدم العقل في الدفاع عن الإيمان، وتصبح ديناً متنكراً. وإذا نظرنا إلى الأديان الثلاثة التي اقتسمت فيما بينها حضارة البيض في العصور الوسطى رأينا ذلك القول أقل انطباقاً على المسلمين أكثر الناس ثراء، ورأيناه أكثر انطباقاً على المسيحيين وهم أقل من المسلمين ثراء، وأشد ما يكون انطباقاً على اليهود أقل أصحاب الأديان الثلاثة ثراء. وأكثر ما ابتعدت الفلسفة اليهودية عن الدين عند اليهود الأثرياء في بلاد الأندلس الإسلامية.
والفلسفة الإسلامية في العصور الوسطى مصدران هما الدين العبراني، والتفكير الإسلامي. وكانت كثرة المفكرين اليهود ترى أن الدين والفلسفة متشابهان في محتوياتهما ونتيجتهما، وأن كل ما يختلفان فيه هو الوسيلة والصورة: فالذي يعلمه الدين بوصفه عقيدة موحى بها من عند الله تعلمه الفلسفة على أنه حقيقة يثبتها