ولم يفد علم الجغرافية إلا قليلاً من الشعب اليهودي، وكان من حقه أن يفيد من لسعة انتشاره وكثرة تنقله. بيد أن اثنين من اليهود كانا أعظم الرحالة في القرن الثاني عشر. وهذان هما بناحيا الراتسبوني Petschya of Ratisbon وبنيمين التطيلي، وقد كتبا قصصاً عبرية قيمة عن رحلاتهما في أوربا والشرق الأدنى. فقد غادر بنيمين سرقسطة في عام ١١٦٠، وطاف على مهل ببرشلونة، ومرسيلية، وجنوا، وبيزا، وروما، وسالرنو، وبرنديزي، وأترنتو، وكورفو، والقسطنطينية، ولجزائر الإيجية، وإنطاكية، وكل مدينة هامة في فلسطين، وبعلبك، ودمشق، وبغداد، وبلاد الفرس. ثم عاد بطريق البحر مجتازا المحيط الهندي، والبحر الأحمر إلى مصر، وصقلية، وإيطاليا ومنها براً إلى أسبانيا. ووصل إلى موطنه في عام ١١٧٣ حيث مات بعد قليل. وكان أكثر ما يهتم به هو الجماعات اليهودية ولكنه وصف المظاهر الجغرافية لكل بلد مر به والخصائص الجنسية لسكانه وصفاً يمتاز بكثير من الدقة والموضوعية. وقصته أقل طرافة ومتعة من قصص ماركوبولو التي كتبها بعد مائة عام من ذلك الوقت، ولكنها في أغلب الظن أقرب منها إلى الحقيقة. وقد ترجمت هذه الرحلة إلى جميع اللغات الأوربية تقريباً، ولا تزال إلى يومنا هذا من الكتب المحببة إلى اليهود (٢٥).