للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل السابع

[الطبقات]

كان كل إنسان في رومة إلا أقلية لا يعتد بها يعبد المال عبادة جنونية، وكان الناس جميعاً عدا أصحاب المصارف يلعنون المال ويذمونه. من ذلك أن أوفد يقول في أحد كتبه على لسان إله من الآلهة: "ما أقل ما تعرف عن العصر الذي تعيش فيه إذا توهمت أن الشهد أحلى من المال في يدك" (١٥). وبعد مائة عام من ذلك يشيد جوفنال في سخرية: "بجلال الثروة المقدس أعظم التقديس". وظل القانون الروماني إلى آخر عهد الإمبراطورية يحرم على الشيوخ استثمار أموالهم في التجارة أو الصناعة؛ ومع انهم كانوا يحتالون على هذا التحريم بأن يجيزوا لمعتوقيهم أن يستثمروا لهم المال، فإنهم كانوا يحتقرون وكلاءهم، ويرون ان الحكم بحق المولد هو وحده الذي يليق بهم أن يستبدلوا به الحكم بحق المال أو الأساطير أو السيف. وقد ظلت الانقسامات الطائفية باقية في البلاد بعد ما قام فيها من الثورات، وبعد أن نقص عدد الأشراف نقصاناً كبيراً، واتخذوا لهم ألقاباً جديدة: فأصبح أفراد طبقتي الشيوخ، والفرسان، والحكام، والموظفين، يلقبون "رجال الشرف" honestiores أو رجال المناصب؛ ولقب كل من عداهم "بالأدنياء" humiliores أو "الضعفاء" tenuiores. وكان وقار الشيخ وزهوه يمتزج بهما اعتزازاً بالشرف والكرامة، وكان يعمل في عدد من المناصب بعضها في اثر بعض من غير أجر بل تفرض عليه نفقات طائلة، وكان يضطلع بالواجبات التي تفرضها عليه مناصبه الهامة بدرجة لا بأس بها من الكفاية والاستقامة؛ وينفق من ماله على الألعاب العامة، ويساعد الموالي المحررين من العبيد، ويقتسم بعض ثروته مع الأهلين بضروب الصدقات التي يخرجها في أثناء حياته أو بعد