يقول بولبيوس متسائلاً:"منذا الذي تبلغ به الحقارة أو البلادة حداً لا يريد معه أن يعرف بأية وسائل وفي ظل أي نظام سياسي أفلح الرومان في أن يخضعوا إلى سلطانهم في أقل من خمسين عاماً جميع العالم المعمور- وهو عمل فذ لا نظير له في التاريخ؟ ومنذا الذي أولع بغير هذه الدراسات ولعاً يحمله على أن يرى أن أية دراسة أخرى أجل شأناً من هذه الدراسة (١)؟ ". ذلك سؤال لا نراه مخطئاً في إلقائهِ، وقد يشغلنا نحن فيما بعد، ولكن الفتوح قد توالت وكثرت مذ كتب بولبيوس تاريخه إلى درجة لا نستطيع معها أن نصرف كثيراً من الوقت في دراسة شيء منها. ولقد حاولنا في الفصول السابقة أن نظهر أن السبب الرئيسي الذي يسر للرومان فتح بلاد اليونان هو انحلال الحضارة اليونانية من الداخل؛ ذلك أنه ما من أمة عظيمة قد غلبت على أمرها إلا بعد أن دمرت هي نفسها. وقد دمرت بلاد اليونان نفسها بتقطيع غاباتها، وإتلاف تربتها، واستنفاد ما في باطن أرضها من معادن ثمينة، وبتحول طرق التجارة عنها، واضطراب الحياة الاقتصادية نتيجة لاختلال النظام السياسي، وفساد الديمقراطية وانحلال الأسر الحاكمة، وفساد الأخلاق، وانعدام الروح الوطنية، ونقص السكان وتدهور قوتهم الجسمية، واستبدال الجنود المرتزقة بالجيوش