أقدر الداعين إلى مسيح اصطفانوس. وكان الجو اليوناني الذي يحيط به في طرسوس يتحدّث عن منقذ ينتشل البشرية؛ كما كانت علوم بني جنسه من اليهود تتحدّث عن حياة (مسيح) منتظر، ولمَ لا يكون يسوع صاحب الشخصية العجيبة الغامضة الفتانة، الذي لا يتردد الناس في استقبال الموت من أجله، هو ذلك المسيح المنتظر؟ فلما أحسّ في آخر سفره وهو لا يزال ضعيفاً وأعمى بيدي يهودي مهتدٍ، رحيمتين، تلمسان وجهه وتسكنان ألمه "فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور، فابصر في الحال وقام واعتمد، وتناول طعاماً فتقوى"(٢٢). وبعد بضعة أيام من ذلك الوقت دخل مجامع دمشق وقال للمجتمعين فيها إن عيسى ابن الله.
[٢ - المبشر]
وأصدر حاكم دمشق، بإيعاز اليهود الذين ساءهم ما فعل بولس، أمراً بالقبض عليه، فما كان من أصدقائه الجدد إلا أن أنزلوه في سلة من فوق أسوار المدينة. ويقول هو إنه ظل ثلاثة أيام يدعو إلى المسيح في قرى بلاد العرب، ولما عاد إلى أورشليم عفا عنه بطرس، واتخذه صديقاً له، وعاش معه فتة من الزمان. وكان معظم الرسل يرتابون فيه، ولكن برنابا، وهو مهتدٍ حديث، رحب به وقدّم له كثيراً من المعونة، وأقنع كنيسة أورشليم أن تحمل مضطهدها القديم بشرى مجيء المسيح الذي سيقيم عما قريب ملكوت الله. وحاول اليهود، الذين يتكلمون اللغة اليونانية والذي جاءهم بالإنجيل، أن يقتلوه، ولعل الرسل خشوا أن تعرضهم حماسته الشديدة للخطر فأرسلوه إلى طرطوس.
وظل في مسقط رأسه ثماني سنين لا يعرف عنه التاريخ شيئاً. ولعله شعر مرة أخرى بأثر التصوّف الديني المنتشر بين اليونان وما في من تبشير بمجيء المنقذ. ثم أقبل عليه برنابا وطلب إليه أن يساعده على خدمة الدين في إنطاكية.