لا يستطيعون ذلك إلا إذا نفضوا أيديهم من ممارسة الفنون ومناصرتها، وجعلوا من كل إسبارطي جندياً شاكي السلاح مستعداً على الدوام لقمع الثورات أو السير إلى ميدان القتال. ولقد بلغوا هذه الغاية بفضل دستور ليكرجوس، ولكن هذا الدستور نفسه قد أخرج إسبارطة من تاريخ الحضارة بكافة معانيها اللهم إلا معناها السياسي وحده.
[٣ - ليقورغ]
يعتقد المؤرخون اليونان اعتقاداً لا يقبل الجدل أن ليقورغ هو واضع شرائع إسبارطة، كما يعتقدون أن حصار طروادة وقتل أجممنون من الحقائق التاريخية المسلم بصحتها. وكما أن العلماء المحدثين قد ظلوا مائة عام كاملة ينكرون وجود طروادة وأجممنون، فإنهم اليوم يترددون في الاعتراف بأن ليقورغ شخص واقعي كان له وجود في التاريخ. وتختلف التواريخ التي يحددها له من يؤمن بوجوده منهم ما بين ٩٠٠، ٦٠٠ ق. م؛ وكيف يستطيع رجل واحد أن يبتدع أعجب وأبغض طائفة من الشرائع في التاريخ كله، ثم لا يفرضها في سنين قليلة على شعب خاضع مغلوب فحسب، بل يفرضها كذلك على الطبقة الحاكمة ذات النزعة العسكرية صاحبة الإدارة القوية؟ (٣٣) ولكننا رغم هذا إذا رفضنا رواية يأخذ بها جميع المؤرخين اليونان اعتماداً منا على هذه الأسباب، نكون متجنين على الحقيقة والتاريخ. لقد كان القرن السابع قبل الميلاد عصر المؤرخين الأفراد- زلوكس Zaleucus في لكريس الإيطالية (حوالي ٦٦٠)، ودريكو Draco في أثينة (٦٢٠)، وكرنداس Charondas في كتابنا بصقلية (حوالي ٦١٠) - دع عنك كشف يوشع لشرائع موسى في هيكل أورشليم (حوالي ٦٢١). ولعل الحق في الحالات السالفة الذكر أن هذه الشرائع لم تكن من وضع رجل بعينه بل كانت طائفة من العادات