نسقت وصيغت- حتى صارت قوانين معينة محددة، سميت من قبيل التيسير باسم الرجل الذي جمعها وقننها وأبرزها في معظم الأحيان في صورة شرائع مكتوبة (١). وسوف نسجل في هذا الكتاب الرواية المتواترة كما وصلت إلينا على أن نذكر مع ذلك أنها في أغلب الظن تجسيد وتصوير لعملية طويلة تطورت فيها العادات حتى صارت قوانين على يد عدد كبير من المؤلفين دأبوا على العمل كثيراً من السنين.
ويقول هيرودوت (٣٤) إن ليقورغ، عم الملك كاريلوس Charilaus ملك إسبارطة ووليه، تلقى من الوحي في دلفي بعض مراسيم، يصفها البعض بأنها قوانين ليقورغ نفسها، ويصفها البعض الآخر بأنها تصديق رباني على القوانين التي اقترحها هو. ويبدو أن المشترعين قد أحسوا أن آمن طريقة لتغيير بعض العادات القائمة أو إدخال عادات جديدة هي أن يعرضوا ما يريدونه في كلتا الحالتين على أنه أوامر من عند الله؛ ولم تكن هذه أول مرة أقامت الدولة قواعدها في السماء. وتضيف الرواية إلى هذا أن ليقورغ سافر إلى كريت، وأعجب بنظمها، واعتزم أن يُدْخِل بعضها في لكونيا (٣٥). وقبل الملوك ومعظم النبلاء إصلاحاته على مضض، لأنهم رأوا أن لا بد لهم منها إذا أرادوا أن يضمنوا لأنفسهم السلامة والطمأنينة؛ ولكن أحد الشبان الأشراف، واسمه الكمندر، قاوم هذا الإصلاح مقاومة شديدة عنيفة وفقأ إحدى عيني المشترع نفسه. ويقص بلوتارخ هذه القصة بأسلوبه السلس الساحر.
ولم يثبط هذا العمل عزيمة ليقورغ أو يضعف همته، بل سكت وكشف لمواطنيه عن وجهه المشوه وعينه المفقوءة. واستولى عليهم الخجل والهلع من هذا المنظر فجاءوه بألكمندر ليعاقبه على فعلته .. فشكر لهم ليقورغ ما فعلوا، وصرفهم عن آخرهم، ولم يستبق منهم إلا الكمندر، ثم أخذه معه
(١) ويقال إن ليقورغ قد نهى الناس عن كتابة قوانينه.