للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السادس

[نظرة شاملة]

إذا ما ألقينا نظرة على فن البندقية إبان مجده، وحاولنا في حياء أن نقدر ما كان له من شأن في تراثنا الفني، حق لنا أن نقول على الفور إن فن فلورنس وفن روما هما وحدهما اللذان يضارعانه في جودته، وبهائه، واتساع مجاله. ولسنا ننكر أن مصوري البندقية، ومنهم تيشيان نفسه لم يتعمقوا كما تعمق الفنانون الفلورنسيون في أسرار مشاعر الناس، وأسباب يأسهم، ومآسيهم، وانهم كثيراً ما أولعوا باللباس والجسد ولعاً حال بينهم وبين الوصول إلى الروح. ولقد كان رسكن على حق حين قال إن الدين الحق قد ذوى غصنه من أدب البندقية بعد بليني (٣٨). ولم يكن البنادقة هم الملومين إذا ما أخفقت الحروب الصليبية، وانتصر الإسلام وانتشر في الآفاق، وانحط شأن البابوية أثناء إقامتها في أفنيون وفي اثناء الانقسام البابوي، ثم استحالة البابوية إلى سلطة دنيوية في عهد سكتس الرابع واسكندر السادس، ثم انفصال ألمانيا وإنجلترا آخر الأمر عن الكنيسة الرومانية، وإذا ما أدى هذا كله إلى إضعاف إيمان الخلق حتى المؤمنين أنفسهم، فلم يبق الكثير من النفوس القوية فلسفة خير من فلسفة الأكل والشرب والزواج ثم الزوال. غير أننا والحق يقال لم نجد غير البندقية مكاناً عاش فيه الفن المسيحي والفن الوثني متآلفين راضيين. فقد كانت الفرشاة التي صورت العذراء هي نفسها التي صورت بعدئذ فينوس، ولم يشكٌ من هذا أحد شكوى ذات بال. كذلك لم يكن هذا الفن مخنثاً ولا فن ترف وراحة؛ بل كان الفنانون ينهمكون في العمل انهماكاً، وكثيراً ما كان الذين يقوم هؤلاء الفنانون بتصويرهم رجالا يخوضون المعارك ويحكمون