الدول، وكانت النساء اللائى يصورونهن نساء يحكمن أمثال هؤلاء الرجال.
وكان الفنانون البنادقة مولعين باللون ولعا حال بينهم وبين أن يضارعوا حذق الأساتذة الفلورنسيين، ولكنهم كانوا رغم ذلك رسامين مجيدين، وقد قال في هذا المعنى يوماً ما أحد الفرنسيين "إن الصيف مُلوّن، والشتاء مصمم L'ete c'est un coloriste l'liver c'est un dessinsteur (٣٩) ، فالأشجار العارية من الأوراق تكشف عن الخطوط الواضحة في هيكلها، ولكن هذه الخطوط تظل موجودة لا تزول تحت خضرة الربيع، وسمرة الصيف، وذهب الخريف. وكذلك نشهد تحت مجد اللون في جيورجيوني، وتيشيان، وتنتورتو خطوطاً ولكنها خطوط يمتصها اللون كما أن شكل السمفونية التركيبي يخفيه انسيابها.
وكان فن البندقية وأدبها يتغنيان بمجدها حتى في الوقت الذي اضمحلت فيه الحياة الاقتصادية وتحطمت في حوض البحر المتوسط بعد أن سيطر الأتراك على طرف منه، وهجرته من الطرف الآخر أوربا التي أخذت تبحث عن الذهب الأمريكي. ولعل الفنانين والشعراء كانوا على حق. فلم تكن تقلبات التجارة أو الحرب بقادرة على أن تطفئ جذوة الذكرى التي يعتز بها ذلك القرن العجيب ١٤٨٠ - ١٥٨٠ - الذي أقام فيه مونشينيجو Mocenigo وبريولي Priuli ولورنداني Lorendani البندقية الإمبراطورية وأنجوها من الدمار، والذي زينها فيه آل لمباردي، ولبوباردي بالتماثيل والأنصاب، وتوج سانسوفينو وبلاديو مياهها بالكنائس والقصور، ورفع فيه بليني، وجيورجيوني، وتيشيان، وتنتورتو، وفيرونيزي مقامها فجعلوها زعيمة الفن في إيطاليا؛ والذي غنى فيه بمبو أغاني منزهة عن العيوب، واخرج فيه مانوتيوس Manutius لكل من يعنيهم الأدب، تراث اليونان وروما الأدبي، وجلس فيه الشيطان المنكل بالأمراء، ذلك الشخص الذي لايعوض، ولايقهر، جلس على عرش القناة الكبرى يحكم العالم ويعتصره.